[مَسْأَلَةُ جَامَعَ الصَّائِمُ فِي الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ أَوْ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا]
(٢٠٤٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ، فَأَنْزَلَ، أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، إذَا كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا، فِي أَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ، أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ إذَا كَانَ عَامِدًا، وَقَدْ دَلَّتْ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا مَسَائِلُ أَرْبَعٍ؛ (٢٠٤٨) إحْدَاهَا: أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ صَوْمًا وَاجِبًا بِجِمَاعٍ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ الْأَعْرَابِيَّ بِالْقَضَاءِ.
وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ كَفَّرَ بِالصِّيَامِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمُجَامِعِ: «وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْأَثْرَمُ. وَلِأَنَّهُ أَفْسَدَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، فَلَزِمَهُ قَضَاؤُهُ، كَمَا لَوْ أَفْسَدَهُ بِالْأَكْلِ، أَوْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ الْوَاجِبَ بِالْجِمَاعِ، فَلَزِمَهُ قَضَاؤُهُ، كَغَيْرِ رَمَضَانَ.
(٢٠٤٩) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَلْزَمُ مَنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِ قَضَائِهَا، فَلَا تَجِبُ فِي أَدَائِهَا، كَالصَّلَاةِ.
وَلَنَا: مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ. قَالَ مَا لَك؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تَعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ، فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: خُذْ هَذَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي. فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ الْأَدَاءِ فِي ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَتَعَلَّقُ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ يَتَعَيَّنُ بِهِ، وَالْقَضَاءُ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، وَالصَّلَاةُ لَا يَدْخُلُ فِي جُبْرَانِهَا الْمَالُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
(٢٠٥٠) الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، أَنَّ الْجِمَاعَ دُونَ الْفَرْجِ، إذَا اقْتَرَنَ بِهِ الْإِنْزَالُ، فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهُ فِطْرٌ بِجِمَاعٍ، فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ كَالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا كَفَّارَةَ فِيهِ.
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ فِطْرٌ بِغَيْرِ جِمَاعٍ تَامٍّ، فَأَشْبَهَ الْقُبْلَةَ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَلَا نَصَّ فِي وُجُوبِهَا وَلَا إجْمَاعَ وَلَا قِيَاسَ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُوجِبُهَا مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ، وَيَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ مُحَرَّمًا، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ اثْنَا عَشَرَ حُكْمًا. وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ الْجِمَاعُ بِدُونِ الْإِنْزَالِ، وَالْجِمَاعُ هَاهُنَا غَيْرُ مُوجِبٍ، فَلَمْ يَصِحَّ اعْتِبَارُهُ بِهِ.
(٢٠٥١) الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ، أَنَّهُ جَامَعَ نَاسِيًا، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ، وَقَالَ: أَجْبُنُ أَنْ أَقُولَ فِيهِ شَيْئًا، وَأَنْ أَقُولَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ: سَمِعْته غَيْرَ مَرَّةٍ لَا يَنْفُذُ لَهُ فِيهِ قَوْلٌ. وَنَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ، لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا غَيْرُهُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ.
المغني ،ج:3،ص:135.