[مَسْأَلَة الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْمِيرِ رَأْسِهِ]
(٢٣٦٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُغَطِّي شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ، وَالْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْمِيرِ رَأْسِهِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِسِ» . وَقَوْلُهُ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ: «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» . عَلَّلَ مَنْعَ تَخْمِيرِ رَأْسِهِ بِبَقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ. . وَذَكَرَ الْقَاضِي، فِي (الشَّرْحِ) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» . وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى أَنْ يَشُدَّ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِالسَّيْرِ.
وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: (وَالْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ) . فَائِدَتُهُ تَحْرِيمُ تَغْطِيَتِهِمَا. وَأَبَاحَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» .
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الطَّهَارَةِ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ تَغْطِيَةِ بَعْضِ رَأْسِهِ، كَمَا يُمْنَعُ مِنْ تَغْطِيَةِ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» . وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ يَحْرُمُ فِعْلُ بَعْضِهِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: ١٩٦] . حَرُمَ حَلْقُ بَعْضِهِ. وَسَوَاءٌ غَطَّاهُ بِالْمَلْبُوسِ الْمُعْتَادِ أَوْ بِغَيْرِهِ، مِثْلُ أَنْ عَصَبَهُ بِعِصَابَةٍ، أَوْ شَدَّهُ بِسَيْرٍ، أَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ قِرْطَاسًا فِيهِ دَوَاءٌ أَوْ لَا دَوَاءَ فِيهِ، أَوْ خَضَّبَهُ بِحِنَّاءَ، أَوْ طَلَاهُ بِطِينٍ أَوْ نُورَةٍ، أَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً، فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ سِتْرٌ لَهُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ.
وَسَوَاء كَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّ الْعُذْرَ لَا يُسْقِطُ الْفِدْيَةَ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: ١٩٦] . وَقِصَّةِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ. وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَكَانَ عَطَاءٌ يُرَخِّصُ فِي الْعِصَابَةِ مِنْ الضَّرُورَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ الْفِدْيَةُ عَنْهُ بِالْعُذْرِ، كَمَا لَوْ لَبِسَ قَلَنْسُوَةً مِنْ أَجْلِ الْبَرْدِ.
المغني ،ج:3،ص:300.