[فَصْل الْعَمْدُ وَالنِّسْيَانُ فِي الْوَطْءِ لِلْمُحْرِمِ سَوَاءٌ]
(٢٣٩٤) فَصْلٌ: وَالْعَمْدُ وَالنِّسْيَانُ فِي الْوَطْءِ سَوَاءٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: إذَا جَامَعَ أَهْلَهُ بَطَلَ حَجُّهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ، وَالشَّعْرُ إذَا حَلَقَهُ، فَقَدْ ذَهَبَ، لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ، وَالصَّيْدُ إذَا قَتَلَهُ، فَقَدْ ذَهَبَ، لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْعَمْدُ وَالنِّسْيَانُ فِيهَا سَوَاءٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِرَقِيِّ النِّسْيَانَ هَاهُنَا، وَلَكِنْ ذَكَرَهُ فِي الصِّيَامِ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ أَوْ دُونَ الْفَرْجِ مَعَ الْإِنْزَالِ يَسْتَوِي عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالْمَذْيِ بِتَكْرَارِ النَّظَرِ يَخْتَلِفُ حُكْمُ عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ، فَهَاهُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَكَادُ يَتَطَرَّقُ النِّسْيَانُ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْجِمَاعَ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ دُونَ غَيْرِهِ، فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ، كَالْفَوَاتِ، بِخِلَافِ مَا دُونَهُ.
وَالْجَاهِلُ بِالتَّحْرِيمِ وَالْمُكْرَهُ فِي حُكْمِ النَّاسِي؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ. وَمِمَّنْ قَالَ: إنَّ عَمْدَ الْوَطْءِ وَنِسْيَانَهُ سَوَاءٌ. أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَدِيمِ قَوْلَيْهِ.
وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مَعَ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ، فَافْتَرَقَ فِيهَا وَطْءُ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي، كَالصَّوْمِ.
وَلَنَا أَنَّهُ سَبَبٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ، فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ، كَالْفَوَاتِ، وَالصَّوْمُ مَمْنُوعٌ. ثُمَّ إنَّ الصَّوْمَ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِ بِالْإِفْسَادِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ إفْسَادَهُ بِكُلِّ مَا عَدَا الْجِمَاعَ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِخُصُوصِ الْجِمَاعِ فَافْتَرَقَا.
المغني ،ج:3،ص:313.