[مَسْأَلَةٌ النَّهْي عَنْ بِيعَتَانِ فِي بَيْعَة]
(٣١٢٩) مَسْأَلَةٌ قَالَ وَإِذَا قَالَ بِعْتُك بِكَذَا عَلَى أَنْ آخُذَ مِنْك الدِّينَارَ بِكَذَا لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ بِذَهَبٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ دَرَاهِمَ بِصَرْفٍ ذَكَرَاهُ.
وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْبَيْعَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ يُصَارِفَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ، وَالْمُصَارَفَةُ عَقْدُ بَيْعٍ فَيَكُونُ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ قَالَ أَحْمَدُ هَذَا مَعْنَاهُ، وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى هَذَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك دَارِي هَذِهِ عَلَى أَنْ أَبِيعَكَ دَارِي الْأُخْرَى بِكَذَا أَوْ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَك أَوْ عَلَى أَنْ أُؤَجِّرَكَ أَوْ عَلَى أَنْ تُؤْجِرَنِي كَذَا أَوْ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك أَوْ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَكَ ابْنَتِي وَنَحْوَ هَذَا فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الصَّفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ رِبًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَقَالَ لَا أَلْتَفِتُ إلَى اللَّفْظِ الْفَاسِدِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا حَلَالًا فَكَأَنَّهُ بَاعَ السِّلْعَةَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِالدَّنَانِيرِ.
وَلَنَا الْخَبَرُ وَأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَجِبُ بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَيَسْقُطُ فَيُفْسِدُ الْعَقْدَ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ بِهِ إلَّا بِذَلِكَ الشَّرْطِ فَإِذَا فَاتَ فَاتَ الرِّضَا بِهِ، وَلِأَنَّهُ شَرَطَ عَقْدًا فِي عَقْدٍ. لَمْ يَصِحَّ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ، وَقَوْلُهُ لَا أَلْتَفِتُ إلَى اللَّفْظِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْبَيْعَ هُوَ اللَّفْظُ فَإِذَا كَانَ فَاسِدًا فَكَيْفَ يَكُنْ صَحِيحًا؟ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَيَفْسُدَ الشَّرْطُ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ شَرَطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(٣١٣٠) فَصْلٌ وَقَدْ رُوِيَ فِي تَفْسِيرِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ نَسِيئَةً أَوْ بِعَشَرَةٍ مُكَسَّرَةٍ، أَوْ تِسْعَةً صِحَاحًا.
هَكَذَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ لَهُ بِبَيْعٍ وَاحِدٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا أَوْ هَذَا، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ فَلَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ بِالرَّقْمِ الْمَجْهُولِ وَلِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلَا مَعْلُومٍ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك أَحَدَ عَبِيدِي وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ أَبِعْك بِالنَّقْدِ بِكَذَا وَبِالنَّسِيئَةِ بِكَذَا فَيَذْهَبُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ جَرَى بَيْنَهُمَا بَعْدَمَا يَجْرِي فِي الْعَقْدِ فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَالَ أَنَا آخُذُهُ بِالنَّسِيئَةِ بِكَذَا فَقَالَ: خُذْهُ أَوْ قَدْ رَضِيتُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيَكُونُ عَقْدًا كَافِيًا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ أَوْ يَدُلُّ عَلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْقَوْلِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي مَنْ قَالَ وَإِنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ أَنَّهُ يَصِحُّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ هَذَا الْبَيْعُ فَيَخْرُجُ وَجْهًا فِي الصِّحَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ ثَمَّ يُمْكِنُ أَنْ يَصِحَّ لِكَوْنِهِ جَعَالَةً يَحْتَمِلُ فِيهَا الْجَهَالَةَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
وَلِأَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأُجْرَةَ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ إلَّا عَلَى إحْدَى الصَّفْقَتَيْنِ، فَتَتَعَيَّنُ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عِوَضًا لَهُ فَلَا يُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ.
المغني ،ج:4،ص:176ـ177.