أَنْ يُفَرِّقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ

أَنْ يُفَرِّقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ

اللفظ / العبارة' أَنْ يُفَرِّقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي لا يجوز
القسم المناهي العملية
المحتوى

[فَصْلٌ الْبَيْعُ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ]

(٣١٨٢) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ إلَّا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ: «لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا» . فَخَصَّهَا بِذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ فِيمَا سِوَاهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْرُمُ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وَإِنْ سَفَلُوا، وَلَا يَحْرُمُ بَيْنَ مَنْ عَدَاهُمْ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي بَيْنَهُمْ لَا تَمْنَعُ الْقِصَاصَ، وَلَا شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ لَبَعْضٍ، فَلَمْ تَمْنَعْ التَّفْرِيقَ فِي الْبَيْعِ، كَابْنَيْ الْعَمِّ.

وَلَنَا، مَا رَوَى أَحْمَدُ، فِي " الْمُسْنَدِ "، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَبِيعَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُهُمَا، فَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَدْرِكْهُمَا فَارْتَجِعْهُمَا، وَلَا تَبِعْهُمَا إلَّا جَمِيعًا» . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، وَالْأَخِ وَأَخِيهِ» . وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا رَحِمًا مَحْرَمًا، فَلَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، كَالْوَلَدِ مَعَ أُمِّهِ. وَيُفَارِقُ ابْنَيْ الْعَمِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ مَحْرَمٌ. (٣١٨٣) فَصْلٌ: فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا دُونَ السَّبْعِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ، لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْبَيْعِ، وَهُوَ الضَّرَرُ اللَّاحِقُ بِالتَّفْرِيقِ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْبَيْعِ، كَالْبَيْعِ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ. وَلَنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِرَدِّهِمَا، وَلَوْ لَزِمَ الْبَيْعُ لَمَا أَمْكَنَ رَدُّهُمَا. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي " سُنَنِهِ "، «أَنَّ عَلِيًّا فَرَّقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، فَنَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ الْمَبِيعَ» . وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ مُحَرَّمٌ، لِمَعْنًى فِيهِ، فَفَسَدَ، كَبَيْعِ الْخَمْرِ. وَلَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ؛ فَإِنَّ ضَرَرَ التَّفْرِيقِ حَاصِلٌ بِالْبَيْعِ، فَكَانَ لِمَعْنًى فِيهِ.

فَأَمَّا تَحْدِيدُهُ بِالسَّبْعِ؛ فَإِنَّ عُمُومَ اللَّفْظِ يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَإِنْ كَانَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ جَازَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَجُوزُ؛ لِعُمُومِ النَّهْيِ. وَالثَّانِيَةُ، يَجُوزُ. وَهِيَ الصَّحِيحَةُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ أَتَى أَبَا بَكْرٍ بِامْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا، فَنَفَلَهُ أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَاسْتَوْهَبَهَا مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَهَبَهَا لَهُ. وَأُهْدِيَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَارِيَةُ، وَأُخْتُهَا سِيرِينَ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِيرِينَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَتَرَكَ مَارِيَةَ لَهُ» .

وَلِأَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَصِيرُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، وَالْعَادَةُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأَحْرَارِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُزَوِّجُ ابْنَتَهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَوَلَدِهَا إذَا افْتَرَقَ الْأَبَوَانِ.

المغني ،ج:4،ص:201.

المغني ،ج:4،ص:200.

Loading...