وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:((مَنْ أسبل إزاره في صلاته خُيلاء، فليس من الله في حِلٍّ ولا حرام)) (١) .
أي: لا ينفع للحلال ولا للحرام، فهو ساقط من الأعِين، لا يلتفت إليه، ولا عبرة به ولا بأفعاله.
وقيل: ليس في حلّ من الذّنوب، بمعنى: أنه لا يغفر له، ولا في احترام عند الله، وحفظ منه، بمعنى: أنه لا يحفظه من سوء الأعمال.
وقيل: لا يؤمن بحلال الله وحرامه. وقيل: ليس من دين الله في شيء، أي: قد برىء من الله تعالى، وفارق دينه (٢) .
فالحديث يدلّ على تحريم إرخاء الإزار في الصّلاة، إذا كان بقصد الخيلاء، وإلى ذلك ذهبت الشافعية والحنابلة، ويدل على الكراهة، إذا كان بغير قصد الخيلاء (٣)
، عند الشافعّية (٤) .(١) أخرجه: أبو داود: كتاب الصّلاة: باب الإِسبال في الصّلاة: (١/١٧٢) رقم (٦٣٧) . وهو في ((صحيح الجامع الصغير)) رقم (٦٠١٢) .
(٢) انظر: ((بذل المجهد في حلّ أبي داود)) : (٤/٢٩٧) و ((فيض القدير)) : (٦/٥٢) و ((تنبيهات هامّة على ملابس المسلمين اليوم)) : (ص٢٣) و ((المجموع)) : (٣/١٧٧) . (٣) وقد ألمحنا إلى حرمة الإسبال، سواء كان بخيلاء أو عدمه، في الخطأ السابق، ومن لم يسبل للخيلاء فعمله وسيلة لذلك.
وانظر بسط ذلك في: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية: (٢٢/١٤٤) و ((فتح الباري)) : (١٠/٢٥٩) و ((عون المعبود)) : (١١/١٤٢) ورسالة ((تبصير أولي الألباب بما جاء في جرّ الثياب)) لسعد المزعل ورسالة ((الإسبال)) لعبد الله السبت. (٤) تنبيهات هامة)) : (ص٢٣) والمجموع: (٣/١٧٧) ونيل الأوطار: (٢/١١٢) .وتعقّب الشيخ أحمد شاكر ابنَ حزم في تحقيقه((المحلى)) عند هذا المبحث، فقال:((ثم إنّ المؤلّف ترك حديثاً، قد يكون دليلاً قوياً على بطلان صلاة المسبل خيلاء)) ثم ذكر الحديث الأوّل، ثم قال:((وهو حديث صحيح. قال النّووي في ((رياض الصّالحين)) : إسناده صحيح على شرط مسلم))(١).
قال ابن قيم شارحاً الحديث الأوّل:((ووجه هذا الحديث – والله أعلم -: أن إسبال الإزار معصية، وكل من واقع معصية، فإنه يؤمر بالوضوء والصّلاة، فإن الوضوء يطفىء حريق
المعصية)) (٢) .
ولعل السر في أمره - صلى الله عليه وسلم - له بالوضوء، وهو طاهر: أن يتفكر الرجل في سبب ذلك الأمر، فيقف على ما ارتكبه من المخالفة، وأن الله تعالى ببركة أمره - صلى الله عليه وسلم - إيّاه بطهارة الظّاهر، يطهّر باطنه من دنس الكبر، لأن طهارة الظّاهر تؤثر في طهارة الباطن (٣) .
ومن الجدير بالذّكر: أن ((الإِسبال [يكون] في السراويل والإِزار والقميص)) (٤) .
(١) تعليق أحمد شاكر على ((المحلّى)) : (٤/١٠٢) . (٢) التهذيب على سنن أبي داود: (٦/٥٠) . (٣) قاله الطيبي فيما نقله عنه القاري، انظر: ((بذل المجهود)) : (٤/٢٩٦) ، ونحوه في ((دليل الفالحين)) : (٣/٢٨٢) و ((الدين الخالص)) : (٦/١٦٦) و ((المنهل العذب المورود)) : (٥/١٢٣) وزاد عليه: ((وأمره - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء ثانية، زجراً له لما فعله من إسبال الإزار، لأنه لم يفطن لغرضه في المرّة الأولى. وفي الحديث دلالة على عدم قبول صلاة مسبل الإِزار، ولم يقل به أحد من الأمة، لضعف الحديث!! وعلى فرض ثوبته، فهو منسوخ، لأن الإجماع على خلافه)) انتهى. (٤) مجموع الفتاوى: (٢٢/١٤٤) لابن تيمية.