[فَصْلٌ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ]
(٣٥٩٦) فَصْلٌ: وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ، سَوَاءٌ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، كَحَدِّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ، أَوْ لِآدَمِي كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ شُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ. وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي حُدُودِ الْآدَمِيِّ، فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: لَا كَفَالَةَ فِي حُدُودِ الْآدَمِيِّ وَلَا لِعَانَ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ أَوْ حَدٌّ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِي، فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ، كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ» . وَلِأَنَّهُ حَدٌّ، فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ فِيهِ كَحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ اسْتِيثَاقٌ، وَالْحُدُودُ مَبْنَاهَا عَلَى الْإِسْقَاطِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ، إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ، فَلَمْ تَصِحّ الْكَفَالَةُ بِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ، كَحَدِّ الزِّنَى.
المغني،ج:4،ص:417.