اللفظات السيئة.

اللفظات السيئة.

اللفظ / العبارة' اللفظات السيئة.
متعلق اللفظ مسألة فقهية / عقدية
الحكم الشرعي لا يجوز
القسم المناهي العملية
Content

فصل

وأما اللفظات، فحفظها بأن لا يُخرِجَ لفظةً ضائعةً، بل لا يتكلّم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه. فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر: هل فيها ربح وفائدة أم لا؟ فإنْ لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح نظر: هل يفوته بها كلمة هي أربح منها، فلا يضيّعها بهذه.

وإذا أردت أن تستدلّ على ما في القلب، فاستدِلَّ عليه (٥) بحركة اللسان، فإنّه يُطلِعُ ما في القلب (١)، شاء صاحبه أم أبى.

قال يحيي بن معاذ: القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها. فانظر الرجل (٢) حين يتكلّم، فإن لسانه يغترف (٣) لك مما في قلبه (٤): حلو وحامض، وعذب وأجاج، وغير ذلك. ويبين لك طعم قلبه اغترافُ لسانه (٥).

أي كما تطعم بلسانك طعمَ ما في القدر من الطعام، فتدرك العلم بحقيقته، كذلك تطعم ما في قلب الرجل من لسانه، فتذوق ما في قلبه (٦) من لسانه، كما تذوق ما في القدر بلسانك.

وفي حديث أنس المرفوع: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه (٧) حتى يستقيم لسانه" (٨).


(١) ل: "على ما القلب"، فسقط منها "في".
(٢) ف: "فإن الرجل".
(٣) ف: "يغرف".
(٤) ل، ز: "بما في قلبه".
(٥) حلية الأولياء (١٠/ ٦٧).
(٦) ف: "في القلب".
(٧) "ولا يستقيم قلبه" ساقط من س.
(٨) أخرجه أحمد ٣/ ١٩٨ (١٣٠٤٨) وابن أبي الدنيا في الصمت وآداب اللسان (٩) والقضاعي في مسند الشهاب (٨٨٧) وغيرهم من طريق علي بن مسعدة عن قتادة عن أنس فذكره، وفيه زيادة. وهو حديث منكر، تفرد به علي بن مسعدة عن قتادة، وعلي ضعيف. والحديث ضعفه الهيثمي والعراقي. انظر مجمع الزوائد (١/ ٥٣). وروي من وجه آخر عن أنس ولا يصح.
وثبت هذا عن ابن مسعود موقوفًا. أخرجه الطبراني في الكبير (٨٩٩٠) وأبو نعيم في الحلية (٤/ ١٦٥) وغيرهما عن زبيد عن مرة الطيب عن ابن = وسئل  عن أكثر ما يُدخِلُ الناسَ النارَ، فقال: "الفم والفرج" (١).

قال الترمذي حديث صحيح (٢).

وقد سأل معاذ النبيَّ  عن العمل الذي يُدخله الجنّة ويباعده من النار، فأخبره برأسه، وعموده، وذروة سنامه؛ ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك؟ " قال: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسان نفسه (٣)، ثم قال: "كُفَّ عليك هذا". فقال: وإنّا لمؤاخَذون بما نتكلّم به؟ فقال: "ثكلتك أمّك يا معاذًا وهل يَكُبّ الناسَ في النار (٤) على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم؟ " (٥) قال الترمذي: حديث


= مسعود مطولًا. وسنده صحيح. وقد روي مرفوعًا ولا يثبت. انظر علل الدراقطني (٥/ ٢٧١).
(١) أخرجه الترمذي (٢٠٠٤) وابن ماجه (٤٢٤٦) والبخاري في الأدب المفرد (٢٩٤) وابن أبي الدنيا في الصمت (٤) وابن حبان (٤٧٦) والحاكم ٤/ ٣٦٠ (٧٩١٩) وغيرهم من طريق عبد الله بن إدريس عن أبيه وعمّه عن جده يزيد الأودي عن أبي هريرة فذكره. قال الترمذي: "هذا حديث صحيح غريب". وصححه ابن حبان والحاكم.
(٢) كذا في الأصول وخا. وفي خب وط المدني وعبد الظاهر وغيرهما: "حسن صحيح". وفي نسخة الجامع المطبوعة مع تحفة الأحوذي: "صحيح غريب".
(٣) س: "بلسانه"، وفي حاشيتها إشارة إلى ما أثبتناه من غيرها.
(٤) "في النار" لم يرد في ف.
(٥) أخرجه الترمذي (٢٦١٦) وابن ماجه (٣٩٧٣) وأحمد ٥/ ٢٣١ (٢٢٠١٦) وغيرهم من طريق معمر عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ فذكره مطولًا.
قلت: تعقّب الحافظ ابن رجب الحنبلي تصحيح الترمذي فقال: "وفيما قاله  نظر من وجهين: أحدهما أنه لم يثبت سماع أبي وائل من معاذ، وإن كان قد أدركه بالسن. وكان معاذ بالشام وأبو وائل بالكوفة … والثاني أنه قد = صحيح (١).

ومن العجب أنّ الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرّم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجلَ (٢) يشار إليه بالدين والزهد والعبادة (٣)، وهو يتكلّم بالكلمات من سخط الله، لا يُلقي لها بالًا، يزِلّ (٤) بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب (٥)! وكم ترى من رجل متورعِّ عن الفواحش والظلم، ولسانه


= رواه حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن شهر بن حوشب عن معاذ.
خرّجه الإِمام أحمد [٥/ ٢٤٨ (٢٢١٣٣) وغيره] مختصرًا. قال الدارقطني: وهو أشبه بالصواب؛ لأن الحديث معروف من رواية شهر على اختلاف عليه فيه.
قلت (أي ابن رجب): ورواية شهر عن معاذ مرسلة يقينًا. وشهر مختلف في توثيقه وتضعيفه. وقد خرجه الإِمام أحمد [٥/ ٢٤٥ (٢٢١٢٢)] من رواية شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ. وخرجه الإِمام أحمد أيضًا [٥/ ٢٣٣، ٢٣٧ (٢٢٠٣٢، ٢٢٠٦٨)] من رواية عروة بن النزّال وميمون بن أبي شبيب كلاهما عن معاذ. ولم يسمع عروة ولا ميمون من معاذ. وله طرق أخرى عن معاذ كلها ضعيفة" جامع العلوم والحكم (٢/ ١٣٥). وانظر علل الدارقطني (٦/ ٧٣ - ٧٩).
وقال العقيلي في الضعفاء (٣/ ٤٨٠). -لما ضعف حديث أنس عن معاذ هذا- قال: "وفي هذا الباب عن معاذ وغيره أحاديث ثابتة من غير هذا الوجه".
وانظر ابن حبان (٢١٤).
(١) كذا في الأصول وخا. وفي خب وط المدني وغيرها وفي نسخة الجامع المطبوعة مع التحفة: "حسن صحيح".
(٢) ل: "ترى الذي". ز: "يرى الرجل".
(٣) ز: "العبادة والزهد".
(٤) "يزلّ" ساقط من ل.
(٥) يشير إلى حديث أبي هريرة الآتي. وقد سبق أيضًا في ص (٢٠٦).

يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول!

وإذا أردت أن تعرف ذلك، فانظر إلى ما رواه مسلم في صحيحه (١) من حديث جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان. فقال الله ﷿: مَن ذا الذي يتألّى عليّ أنّي لا أغفر لفلان؟ قد غفرتُ له، وأحبطتُ عملَك".

فهذا العابد (٢) الذي قد عَبَدَ اللهَ ما شاء أن يعبده، أحبطت هذه الكلمةُ الواحدة عملَه كلّه!

وفي حديث أبي هريرة نحو ذلك، ثم قال أبو هريرة: "تكلم بكلمةٍ أوبقَتْ دنياه وآخرته" (٣).

وفي الصحيحين (٤) من حديث أبي هريرة عن النبي : "إنّ العبد


(١) كتاب البرّ والصلة، باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله (٢٦٢١).
(٢) ذكر العابد في حديث أبي هريرة الآتي، لا في حديث جندب السابق.
(٣) أخرجه أبو داود (٤٩٠١) وأحمد ٢/ ٣٢٣، ٣٦٣ (٨٢٩٢، ٨٧٤٩) وابن حبان (٥٧١٢) وغيرهم من طريق عكرمة بن عمار عن ضمضم بن جوس عن أبي هريرة فذكر مطولًا.
وفيه عكرمة بن عمار، في حفظه كلام. وقد اختلف عنه الرواة في الجملة الأخيرة. فرواه من قول أبي هريرة: عبد الله بن المبارك في الزهد (٩٠٠)، وأبو الوليد الطيالسي عند ابن حبان، وأبو عامر العقدي وعبد الصمد عند أحمد، وعلي بن ثابت عند أبي داود.
ورواها مرفوعة: موسى بن مسعود عند المزي في تهذيب الكمال (١٣/ ٣٢٦) وغسان بن عبيد عند ابن أبي الدنيا في حسن الظن (٤٥).
والصواب: الموقوف.
(٤) أخرجه البخاري في الرقاق، باب حفظ اللسان (٦٤٧٨) من طريق أبي صالح = 


(١) س: "وكان تجهيز".
(٢) ف: "عسكره وهو في الصلاة". وقد أخرجه البخاري تعليقًا في كتاب العمل في الصلاة، باب تفكر الرجل الشيء في الصلاة (ص ٢٣٩). (ص). ووصله ابن أبي شيبة في المصنف ٢/ ١٨٨ (٧٩٥١). وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح (س/٩٠).
(٣) ف: "لا يدخل منه".
(٤) وانظر زاد المعاد (١/ ٢٥٠).
(٥) "عليه" ساقط من س.

الداء والدواء ،ص:362إلى 368.


Loading...