هل يدخل الجنّةَ مفعول به

هل يدخل الجنّةَ مفعول به

اللفظ / العبارة' هل يدخل الجنّةَ مفعول به
متعلق اللفظ مسألة فقهية / عقدية
الحكم الشرعي مختلف فيه
القسم المناهي العملية
Content

وقد اختلف الناس: هل يدخل الجنّةَ مفعول به؟ على قولين سمعتُ شيخ الإِسلام يحكيهما. والذين قالوا: لا يدخل الجنّة، احتجّوا بأمور: منها: أنّ النبي  قال: "لا يدخل الجنّة ولد زنية" (٢). فإذا كان هذا حال ولد الزنى، مع أنه لا ذنب له في ذلك، ولكنّه مظنّة كل شرّ وخبث، وهو جدير أن لا يجيء منه خير أبدًا؛ لأنّه مخلوق من نطفة خبيثة، وإذا كان الجسد الذي تربّى على الحرام، النارُ أولى به، فكيف بالجسد المخلوق من النطفة الحرام؟

قالوا: والمفعول به شرّ من ولد الزنى، وأخزى (١)، وأخبث، وأوقح (٢). وهو جدير أن لا يوفَّق لخير، وأن يحال بينه وبينه، وكلّما عمل خيرًا قُيِّض ما يفسده عقوبةً له. وقلّ أن ترى من كان كذلك في صغره إلا وهو (٣) في كبره شرّ (٤) مما كان. ولا يوفّق لعلم نافع، ولا عمل صالح، ولا توبة نصوح.

والتحقيق في المسألة أن يقال: إن (٥) تاب المبتلى بهذا البلاء، وأناب، ورُزق توبة نصوحًا وعملًا صالحًا، وكان في كبره خيرًا منه في صغره، وبذَل سيئآته بحسنات، وغسل عارَ ذلك عنه بأنواع الطاعات والقربات، وغضّ بصره، وحفظ فرجه من المحرمات، وصدَق الله في معاملته = فهذا مغفور له، وهو من أهل الجنّة. فإنّ الله يغفر الذنوب جميعًا، وإذا كانت التوبة تمحو كلّ ذنب حتى الشرك بالله، وقتل أنبيائه وأوليائه، والسحر، والكفر، وغير ذلك، فلا تقصُر عن محو هذا الذنب (٦).

وقد استقرّت حكمة الله به (٧) عدلًا وفضلًا أنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له (١)، وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس (٢) والزنى أنّه يبدّل سيئاتِه حسناتٍ (٣). وهذا حكم عامّ لكلّ تائب من كلّ ذنب (٤). وقد قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) [الزمر: ٥٣]، فلا يخرج (٥) من هذا العموم ذنب واحد. ولكن هذا في حقّ التائبين خاصة.

وأمّا مفعول به كان في كبره شرًّا مما كان في صغره، لم يوفَّق لتوبة نصوح ولا لعمل صالح، ولا استدرك ما فات، ولا أحيا ما أمات، ولا بدّل السيئات بالحسنات = فهذا بعيد أن يوفَّق عند الممات لخاتمةٍ يدخل بها الجنّة عقوبة له على عمله. فإنّ الله سبحانه يعاقب على السيئة بسيئة أخرى، فتتضاعف (٦) عقوبة السيئات بعضها ببعض (٧)، كما يثيب على


(١) هذه المقولة وردت في أحاديث عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما، ولا يثبت منها شيء. وهي ثابتة عن التابعي الجليل عامر الشعبي، أخرجه وكيع في الزهد (٢٧٨). انظر تفصيل ذلك في تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة (٥٧ - ٦٣).
(٢) ز: "قتل أنبيائه"، خطأ.
(٣) وذلك في قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٠)﴾ [الفرقان: ٦٨ - ٧٠].
(٤) "من كل ذنب" لم يرد في س.
(٥) ف: "ولا يخرج".
(٦) ل، ز: "وتتضاعف".
(٧) "بعضها ببعض" لم يرد في ل.

الداء والدواء ،ص:382إلى385.

Loading...