هل يجوز أن يجتمع في القلب (١) حبّ المحبوب الأعلى وعشق الصور؟

هل يجوز أن يجتمع في القلب (١) حبّ المحبوب الأعلى وعشق الصور؟

اللفظ / العبارة' هل يجوز أن يجتمع في القلب (١) حبّ المحبوب الأعلى وعشق الصور؟
متعلق اللفظ مسألة فقهية / عقدية
الحكم الشرعي لا يجوز
القسم المناهي العملية
المحتوى

فصل

إذا عرفت هذه المقدمة، فلا يمكن أن يجتمع في القلب (١) حبّ المحبوب الأعلى وعشق الصور أبدًا، بل هما ضدّان لا يتلاقيان، بل لابدّ أن يُخرج أحدهما صاحبه. فمن كانت قوة حبه كلّها للمحبوب الأعلى الذي محبة ما سواه باطلة وعذاب على صاحبها، صَرَفه ذلك عن محبة ما سواه. وإن أحبّه (٢) لم يحبَّه إلا لأجله ولكونه وسيلةً له إلى محبته، أو قاطعًا له عمّا يضادّ محبته وينقضها (٣).

والمحبة الصادقة تقتضي توحيد المحبوب، وأن لا يشرك (٤) بينه وبيّن غيره في محبته. وإذا كان المحبوب من الخلق يأنف ويغار أن يُشرِكَ محِبُّه غيرَه (٥) في محبته، ويمقته لذلك (٦)، ويُبعده، ولا يُحظيه بقربه، ويعدّه كاذبًا في دعوى محبته، مع أنّه ليس أهلًا لصرف قوة المحبة إليه، فكيف بالحبيب الأعلى الذي لا تنبغي المحبة إلا له وحده، وكلّ محبة لغيره فهي عذاب على صاحبها ووبال؟ ولهذا لا يغفر الله سبحانه أن يشرَك به في هذه المحبة، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

فمحبة الصور تفوّت محبةَ (٧) ما هو أنفع للعبد منها، بل (٨) تفوّت


(١) ف: "للقلب".
(٢) س: "فإذا".
(٣) ف، ل: "ينقصها".
(٤) ف: "ولا يشرك".
(٥) س، ف: "محبة غيره". تصحيف.
(٦) س: "كذلك"، تحريف.
(٧) كلمة "محبة" ساقطة من ز.
(٨) "تفوت … بل" ساقط من ل.

محبة ما ليس له صلاح ولا نعيم ولا حياة نافعة إلا بمحبته (١) وحده. فليختر إحدى المحبَّتَين، فإنهما لا تجتمعان في القلب ولا ترتفعان منه. بل من أعرض عن محبة الله وذكره والشوق إلى لقائه ابتلاه بمحبة غيره، فيعذّبه بها في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة. فإمّا أن يعذّبه بمحبة الأوثان، أو بمحبة الصُّلبان، أو بمحبة النيران، أو محبة المُرْدان، أو محبة النسوان، أو محبة الأثمان (٢)، أو محبة العُشراء والخلّان (٣)، أو محبة (٤) ما دون ذلك مما هو في غاية الحقارة والهوان، فالإنسان عبد محبوبه كائنًا ما كان! كما قيل:

أنت القتيل بكلّ من أحببتَه … فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي (٥)

فمن لم يكن إلهُه (٦) مالكَه ومولاه، كان إلهه هواه. قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٢٣)﴾ [الجاثية: ٢٣].


(١) ز: "لمحبته".
(٢) "أو محبة الأثمان" ساقط من س. وفي ف: "أو بمحبة الإنسان".
(٣) ف: "العشران أو محبة الخلآن". وتحت "العشران" فيها حاشية لم يظهر في التصوير منها إلا: "جمع عشير".
(٤) اضطربت النسخ في إثبات "محبة" أو "بمحبة"، وقد جاءت ثماني مرات. وقد اتبعنا نسخة س. أما غيرها، فقد وردت في ف بالباء في المواضع الستة الأولى، وفي ل، ز في الموضع الأول فقط.
(٥) لابن الفارض في ديوانه (١٥١)، وقد أنشده المؤلف في تهذيب السنن (٦/ ١٨١)، وبدائع الفوائد (٦٧٢)، وروضة المحبين (١٦٢، ٥٦٨) أيضًا.
(٦) ف: "الله".

الداء والدواء ،ص:423غلى 425.

Loading...