الصلاة إلى أماكن فيها صور، أو على سجّادةٍ فيها صور ونقوش، أو في مكان فيه صور
اللفظ / العبارة'
الصلاة إلى أماكن فيها صور، أو على سجّادةٍ فيها صور ونقوش، أو في مكان فيه صور
متعلق اللفظ
مسائل فقهية
الحكم الشرعي
مكروه
القسم
المناهي العملية
Content
[١٢] * الصلاة إلى أماكن فيها صور، أو على سجّادةٍ فيها صور ونقوش، أو في مكان فيه صور:
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلّي في خميصةٍ، ذات أعلام، فلما قضى صلاته، قال: اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة، وأتوني بأَنْبِجَانيّة (٣)
، فإنها ألهتني آنفاً في صلاتي (٤)
قال الصنعاني:
(٣) هي كساء غليظ، لا علم فيه، بخلاف الخميصة التي ردّها.. (٤) أخرجه البخاري في ((صحيحه)) : رقم (٣٧٣) ومسلم في ((صحيحه)) : رقم (٥٥٦) والنسائي في ((المجتبي)) : (٢/٧٢) وابن ماجه في ((السنن)) : رقم (٣٥٥٠) ومالك في ((الموطأ)) : (١/٩١- مع تنوير الحوالك) وأبو عوانة في ((المسند)) : (٢/٢٤) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) : (٢/٤٢٣) .
((وفي الحديث: دليل على كراهة ما يشغل عن الصّلاة من النقوش، ونحوها مما يشغل القلب)) (١)
وقال العز بن عبد السلام:((تكره الصلاة على السجادة المزخرفة الملمّعة، وكذلك على
الرفيعة الفائقة، لأن الصلاة حال تواضع وتمسكن، ولم يزل الناس في مسجد مكة والمدينة يصلون على الأرض والرّمل والحصى تواضعاً لله)) .
ثم قال رحمه الله:((فالأفضل إتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دقّ أفعاله وأقواله، وجلّها، من أطاعه اهتدى وأحبّه الله عز وجل، ومن خرج عن طاعته والإقتداء به، بَعُد عن الصّواب بقَدْر تباعده عن إتباعه)) (٢) .
وعن انس رضي الله عنه قال: كان قِرام لعائشة، سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: أميطي عني، فإنه لا تزال تصاويره، تعرض لي في صلاتي (٣) .
في هذا الحديث دلالة على كراهة الصلاة بمكان فيه تصاوير، وعلى وجوب إزالة ما يشغل بال المصلى، سواء كان صوراً أم غير صور، والحديث يدل أيضاً على أن الصّلاة لا تفسد مع وجود الصور، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يقطعها، ولم يعبها، ولم يعدها (٤) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((والمذهب الذي عليه عامة الأصحاب: كراهة دخول الكنيسة المصوّرة،
(١) سبل السلام: (١/١٥١) (٢) ١ (فتاوى العز بن عبد السلام: (ص ٦٨) (٣) ٢ (أخرجه البخاري في ((صحيحه)) : رقم (٣٧٤) و (٥٩٥٩) . (٤) ٣ (نيل الأوطار: (٢/١٥٣) وسبل السلام: (١/١٥١) .
والصلاة فيها، وفي كل مكان فيه تصاوير، أشدّ كراهة، وهذا هو الصواب، الذي لا ريب فيه ولاشك)) (١) .
وذكر المرغيناني الحنفي مراتب كراهة الصلاة في المكان فيه صور من حيث أماكنها، فقال:((وأشدها كراهة أن تكون أمام المصلّي، ثم من فوق رأسه، ثم عن يمينه ثم عن شماله، ثم خلفه)) (٢) .
وجامع المسألة: التعظيم والانشغال، ولذا كرهت الصلاة إلى التصاوير، لأنها تشغل المصلي بالنّظر إليها، وتذهله عن الصلاة، بل يكره استقبال ما يلهي أيضاً.
وبناء على الجامع المذكور، ذهب الفقهاء على الصحيح من قولهم إلى كراهية الصلاة إلى صورة منصوبة، سواء كانت في جدار أم غير جدار، ولأن فيه تشبهاً بعبادة الأوثان والأصنام أيضاً (٣) .
وكذلك الصلاة على سجادة فيها صورة، ففيه تشبه بعبادة الأصنام والصور، والسجود عليها فيه معنى التعظيم (٤) ، بل نص بعض الفقهاء على كراهة الصلاة على السجادة التي فيها صورة، ولو كانت تداس (٥)ومن الأدلة على ما سبق:
أولاً: قوله - صلى الله عليه وسلم -:
(١) ٤ (الاختيارات العلمية: (٢٥٤) . (٢) ٥ (الهداية: (١/٢٩٥- مع شرح فتح القدير) . (٣) ١ (انظر: ((كشاف القناع)) : (١/٤٣٢) و ((المغني)) : (٢/٣٤٢) و ((تفسير القرطبي)) : (١٠/٤٨) و ((الفقه على المذاهب الأربعة)) : (١/٢٨٣) . (٤) ٢ (كشاف القناع: (١/٣٢٥) وبدائع الصنائع: (١/٣٣٧) والفتاوى الهندية: (١/١٠٧) . (٥) ٣ (الإنصاف: (١/٤٧٤) وكشاف القناع: (١/٣٢٥) .
((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة)) (١) .
قال النووي:((قال العلماء: سبب امتناعهم من بيت فيه صورة، كونها معصيةً فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى)) (٢) .
ثانياً: امتناع الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن دخول الكعبة، حتى محيت كل صورة فيها.
عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر بن الخطاب زمن الفتح، وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة، فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى محيت كلّ صورةٍ فيها (٣) .
ثالثاً: فعل الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فقد كانوا يصلّون في الكنيسة عند عدم وجود الصور.
قال عمر بن الخطاب: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور (٤) .
وكان ابن عباس يصلّي في البيعة إلا بيعة فيها تماثيل (٥) .
والمراد بالصور هنا هو صورة الأرواح.
(١) ٤ (أخرجه مسلم في ((صحيحه)) : (١٤/٨٥) - مع شرح النووي) . (٢) ٥ (شرح النووي على صحيح مسلم: (١٤/٨٤) . (٣) ٦ (أخرجه أبو داود في ((سننه)) : (٤١٥٦) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) : ((٧/٢٦٨) . وللحديث شواهد كثيرة، انظر: ((مجمع الزوائد)) : (٥/١٧٢-١٧٤) . (٤) ٧ (أخرجه البخاري في ((صحيحه)) : (١ /٥٣١- مع الفتح) تعليقا بصيغة الجزم. ووصله عبد الرزاق في ((المصنف)) : رقم (١٦١١) والبخاري في ((الأدب المفرد)) : ر قم (١٢٤٨) (٥) ٨ (أخرجه البخاري في ((صحيحه)) : (١/ ٥٣١ - مع الفتح) تعليقاً بصيغة الجزم. ووصله عبد الرزاق في ((المصنف) : رقم (١٦٠٨) والبغوي في ((الجعديات)) وفي ((جمعه لحديث عبيد الله العيشي)) كما في ((تغليق التغليق)) : (٢/٢٣٣) و ((الفتح)) : (١/٥٣٢) و ((عمدة القاري)) : (٤/٤) .
قال ابن القيم:((فأما الصور فهي كل ما تصور من الحيوان، سواء في ذلك الصورة المنصوبة القائمة التي لها أشخاص، وما لا شخص لها من المنقوشة في الجدر، والمصوّر فيها، وفي الفرش والأنماط)) (١) .
وأخرج بعضهم من النهي صورة الشجر ونحوه (٢) .
والذي أراه أن الصلاة على صورة الشّجر ونحوه مكروهة أيضاً، لأنها تشغل بال المصلي، أخذاً من حديث الأنْبجانية السّابق، والله أعلم.
(١) ١ (التهذيب على سنن أبي داود: (٦/٧٨) . (٢) ٢ (انظر: ((بدائع الصنائع)) : (١/٣٣٧) و ((شرح فتح القدير)) : (١/٢٩٤) .