الصّلاة على القبور وإليها

الصّلاة على القبور وإليها

اللفظ / العبارة' الصّلاة على القبور وإليها
متعلق اللفظ مسألة فقهية / عقدية
الحكم الشرعي مكروه
القسم المناهي العملية
Content

[١٣] * الصّلاة على القبور وإليها:

عن جندب بن عبد الله البجليّ ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس يقول: إني أبرأ إلى الله منكم، أن يكون لي خليل، فإن الله قد اتّخذني خليلاًً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً خليلاً، لاتّخذتُ أبا بكر خليلاً، ألا وإن مَنْ كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (٣) .

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (٤) .


(١) ١ (التهذيب على سنن أبي داود: (٦/٧٨) .
(٢) ٢ (انظر: ((بدائع الصنائع)) : (١/٣٣٧) و ((شرح فتح القدير)) : (١/٢٩٤) .
(٣) ٣ (أخرجه مسلم في ((صحيحه)) : رقم (٥٣٢) والنسائي في ((السنن الكبرى)) كما في ((تحفة الأشراف)) : (٢/٤٢٢-٤٤٣) .
(٤) ٤ (أخرجه البخاري في ((صحيحه)) : رقم: (٤٣٧) ومسلم في ((صحيحه)) أيضا: رقم (٥٣٠) وغيرهما.

وعن عائشة - رضي الله عنها -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (١) .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن مِنْ شرار الناس مَنْ تدركهم الساعة، وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد (٢) .

أفادت هذه الأحاديث:

[١/١٣] حرمة اتخاذ القبور مساجد. وصرح عامة علماء الطوائف بالنهي عن ذلك، متابعة للأحاديث الواردة في النهي عن ذلك، ولا ريب في القطع بتحريمه.

وتتعيّن إزالة المساجد المبنيّة على القبور، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء المعروفين، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف. ولا تصح عند الإمام أحمد في ظاهر مذاهبه، لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك.

وكذلك الصّلاة عندها مكروهة , وإنْْْ لم يُبْْنَ عليها مسجد، فإن كلّ موضعٍٍ


(١) ٥ (أخرجه البخاري في ((صحيحه)) : رقم: (٤٤٤١) ومسلم في ((صحيحه)) : رقم (٥٢٩)
(٢) ٦ (اخرجه احمد في ((المسند)) : (١/٤٣٥) وابن أبي شييبة في ((المصنف)) : (٣/٣٤٥) وابن خزيمة في ((الصحيح)) رقم (٧٨٩) وابن حبان في ((الصحيح)) : رقم (٣٤٠) و (٣٤١- موارد) وابو نعيم في ((ذكر أخبار أصبهان)) (١/١٤٢) والطبراني في ((المعجم الكبير)) : رقم (١٠٤١٣) وأبو يعلى في ((المسند)) : (١/٢٥٧) مخطوط وابن أبي خيثمة كما في ((الفتح)) : (١٣/١٩) . وإسناده جيد.. كما قال شيخ الإسلام في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) : (ص٣٣٠) . وحسن إسناده الهيثمي في ((المجمع)) : (٢/ =
= ٢٧) . أخرج البخاري في ((صحيحه)) : رقم: (٧٠٦٧) تعليقاً الشطر الأول منه ووصله مسلم في ((صحيحه)) : (٤/٢٢٦٨) .

يُصلَّى فيه فهو مسجد، وإن لم يكن هناك بناء، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن ذلك بقوله: ((ولا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها)(١)

وقال: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً)(٢)

أي: كما أن القبور لا يصلى عندها ولا إليها ولا عليها، فلا تجعلوا بيوتكم كذلك.

ولا تصح الصّلاةُ بين القبور في مذهب الإمام احمد، وتكره عند غيره.

واعلم أن مِنَ الفقهاء، مَن اعتقد أن سبب كراهة الصّلاة في المقبرة، ليس إلا كونها مظنّة النجاسة، ونجاسة الأرض مانع من الصّلاة عليها، سواء كانت مقبرة أم لم تكن، وليس ذلك كل المقصود بالنهي، وإنما المقصود الأكبر بالنهي هو مظنّة اتخاذها أوثاناً.

كما ورد عن الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ أنه قال: ((وأكره أن يُعظَّم مخلوق، حتى يجعل قبره مسجداً، مخافة الفتنة عليه من بعده، من الناس)(٣)

وقد نص النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على العلّة بقوله: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)(٤)


(١) ١ (أخرجه مسلم في ((صحيحه)) : رقم (٩٧٢)
(٢) ٢ (أخرجه البخاري في ((صحيحه)) : رقم (١١٨٧) ومسلم في ((صحيحه)) : رقم (٧٧٧) .
(٣) ٣ (الأم: (١/٢٤٦) .
(٤) ٤ (أخرجه مالك في ((الموطأ)) : (١/١٧٢) وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) : (٢/٢٤٠-٢٤١) عن عطاء بن يسار مرسلاً بسند صحيح. وأخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) : (١/٤٠٦) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) : (٣/٣٤٥) عن زيد بن أسلم مرسلاً بسند صحيح أيضاً. ووصله عن أبي هريرة: أحمد في ((المسند)) : (٢/٢٤٦) والحميدي في ((المسند)) : رقم (١٠٢٥) وأبو نعيم في ((الحلية)) : (٦/٢٨٣) و (٧/٣١٧) وإسناده حسن.. وصححه البزّار وابن عبد البر. انظر ((شرح الزرقاني على الموطأ)) : (١/٣٥١) و ((تنوير الحوالك)) : (١/١٨٦) .

وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنّ الكفّار إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوّروا فيه تلك التصاوير، أولئك شر الخلق عند الله يوم القيامة (١) .

فجمع - صلى الله عليه وسلم - بين التماثيل وبين القبور (٢)

إذا تقرر ما تقدم، تبيّن لك ما يلي:

[٢/١٣] أولاً: أن الصحيح المنع من الصلاة حتى على القبر الفَذّ، وإنْ لم يكن عنده قبر آخر.

ذكر شيخ الإسلام في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) خلاف أصحاب الإمام أحمد في المقبرة

المجردة عند مسجد، هل حدّها ثلاثة أقبر أو ينهى عن الصلاة عند القبر، وإن لم يكن عنده قبر آخر؟ على وجهين.

والوجه الثاني هو الذي رجّحه في ((الاختيارات العلميّة)) فقال: ((وليس في كلام أحمد وعامّة أصحابه هذا الفرق، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصّلاة عند قبرٍ واحدٍ من القبور، وهو الصواب، والمقبرة كل ما قبر فيه، لا أنه جمع قبر. وقال أصحابنا: وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور، لا يصلّى فيه، فهذا يعين أن المنع يكون متناولاً لحرمة القبر المنفرد، وفنائه المضاف إليه)(٣) .


(١) ١ (انظر: ((صحيح البخاري)) : (١/٥٢٣-٥٢٤-مع الفتح) و ((صحيح مسلم)) : (١/٣٧٥-٣٧٦) .
(٢) ٢ (انظر في منع الصّلاة على القبور وإليها: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (ص ٣٢٩-٣٣٠) و ((الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع)) : (لوحة ١٠/ب-١١-أ)
(٣) ٣ (الاختيارات العلمية: (ص٢٥) وتمام المنة: (ص٢٩٨) .

[٣/١٣] ثانياً: أن الصحيح المنع من الصلاة في المسجد الذي بين القبور، حتى يكون بين حائط المسجد وبين المقبرة حائل آخر، وأن جدار المسجد لا يكفي حائلاً بينه وبين المقبرة (١) .

[٤/١٣] ثالثاً: أن كراهة الصلاة في المساجد المبنيّة على القبور، مضطردة في كلّ حال، سواء كان القبر أمامه أم خلفه، يمينه أم يساره، فالصلاة فيها مكروهة على كل حال، ولكن الكراهة تشتدّ إذا كانت الصّلاة إلى القبر، لأن المصلّي في هذه الحالة، يرتكب مخالفتين، الأولى: الصلاة في هذه المساجد، والأخرى: الصلاة إلى القبر، وهي منهي عنها مطلقاً، سواء كان في المسجد، أم غير المسجد، بالنّص الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢) .

[٥/١٣] رابعاً: العبرة في المنع من الصّلاة على القبور أو إليها، إنما هي في القبور الظاهرة، وأن ما في بطن الأرض من القبور، لا يرتبط به الحكم الشرعي السابق، بل الشريعة تتنزّه عن مثل هذا الحكم، لأننا نعلم بالضرورة والمشاهدة أن الأرض كلها مقبرة الأحياء، كما قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا} (٣) .

قال الشعبي: ((بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم)(٤)

[٦/١٣] خامساُ: في معنى ما تقدّم من صور الكراهة: الصلاة على الجنازة، وهي في القبلة المصلّين.

قال الشيخ القاري:


(١) ٤ (المرجع السابق وتحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد: (ص ١٨٧-١٨٩) .
(٢) ١ (تحذير الساجد: (ص ١٩٠-١٩١) .
(٣) سورة المرسلات: آية رقم (٢٥)
(٤) ٣ (أخرجه الدولابي (١/١٢٩) عنه، ورجاله ثقات. وانظر: ((مرقاة المفاتيح)) : (١/٤٥٦) و ((تحذير الساجد)) : (ص ١١٣-١١٤) والمنقول نته

((وهو مما ابتلى به أهل مكة، حيث يضعون الجنازة عند الكعبة ثم يستقبلون إليها)(١)

وعلّق عليه الألباني: ((قلت: يعني في صلاة الفريضة، وهذا بلاء عام، قد تعدّاه إلى بلاد الشّام والأناضول وغيرها.

وقد وقفنا منذ شهر على صورةٍ شمسيّةٍ، قبيحة جداً، تمثل صفّاً من المصلّين، ساجدين تجاه نعوش مصفوفة أمامهم، فيها جثث جماعة من الأتراك، كانوا ماتوا غرفاً في باخرة)) (٢) .

وبهذه المناسبة نلفت النّظر إلى أن الغالب من هدية - صلى الله عليه وسلم -، هو الصّلاة على الجنائز في ((المصلّى)) خارج المسجد، ولعل من حكمة ذلك إبعاد المصلِّين عن الوقوع في مثل هذه المخالفة، التي نبّه عليها العلّامة القاري رحمه الله تعالى (٣) .

فاقتد - أيها المسلم - إن كنت عبد الله، بسلفك الصالح، وتحقق بالتوحيد الخالص، فلا تعبد إلا الله، ولا تشرك بربك أحداً، كما أمر تعالى بقوله:

{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (٤) .


(١) ٤ (مرقاة المفاتيح: (٢/٣٧٢) .
(٢) ٥ (تحذير الساجد: (ص٣٥) .
(٣) ٦ (المرجع السابق: (ص٣٦)
(٤) ١ (سورة الكهف: آية رقم (١١٠) .

كتاب القول المبين في أخطاء المصلين ، ص:69 إلى 74 .


Loading...