الغفلة عن ذكر الموت وما بعده وما يتعلق به

الغفلة عن ذكر الموت وما بعده وما يتعلق به

اللفظ / العبارة' الغفلة عن ذكر الموت وما بعده وما يتعلق به
متعلق اللفظ مسألة فقهية / عقدية
الحكم الشرعي لا يجوز
القسم المناهي العملية
Content

ـ باب في ذكر الموت وما بعده وما يتعلق به]

اعلم: أن المنهمك في الدنيا المكب في غرورها، يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت فلا يذكره، وإن ذكره كرهه ونفر منه، ثم الناس إما منهمك، أو تائب مبتدىء، أو عارف منتبه.

فأما المنهمك فلا يذكره، وإن ذكره فيذكره لتأسف على دنياه، ويشتغل بذمه، وهذا لا يزيده ذكر الموت من الله تعالى إلا بعداً.

وأما التائب، فإنه يكثر ذكر الموت لينبعث به من قلبه الخوف والخشية، فيفي بتمام التوبة، وربما يكره الموت خيفة أن يختطفه قبل تمامها أو قبل إصلاح الزاد، وهو معذور في كراهة الموت. ولا يدخل بهذا تحت قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كره لقاء الله كره الله لقاءه " فإنه إنما يخاف لقاء الله لقصور وتقصيره، فهو كالذي يتأخر عن لقاء الحبيب مشتغلاً بالاستعداد للقائه على وجه يرضاه، فلا يعد كارهاً للقائه، وعلامة هذا أن يكون دائم الاستعداد له، لا شغل له سواه، وإلا التحق بالمنهمك في الدنيا.

وأما العارف، فإنه يذكر الموت دائماً، لأنه موعد لقاء الحبيب، وهو لا ينسى موعد لقاء حبيبه. هذا في غالب الأمر يستبطئ مجيء الموت، ويحبه ليتخلص من دار العاصين، وينتقل إلى جوار رب العالمين، كما قال بعضهم: حبيب جاء على فاقة.

فإذن: التائب معذور في كراهة الموت، وهذا معذور في حب الموت وتمنيه، وأعلى منهما من فوض أمره إلى الله تعالى، فصار لا يختار لنفسه موتاً ولا حياة، بل تكون الأشياء إليه أحبها إلى مولاه، فهذا قد انتهى بفرط الحب والولاء إلى مقام التسليم والرضى، وهو الغاية والمنتهى.

وعلى كل حال، ففى ذكر الموت ثواب وفضل، فإن المنهمك في الدنيا قد يستفيد بذكر الموت التجافى عن الدنيا، لأن ذكره ينغص عليه نعيمه ويكدره.

[٢٠ ـ باب ما جاء في فضل ذكر الموت]

عن أبى هريرة رضى الله عنه رضى الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت".

وعن أنس رضى الله عنه: أن رجلاً ذكر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأحسنوا عليه الثناء، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كيف كان ذكر صاحبكم للموت؟ " قالوا: ما كنا نسمعه يذكر الموت. قال: "فإن صاحبكم ليس هناك" (١).

وعن ابن عمر رضى الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل: "أي المؤمنين أكيس، قال: أكثرهم للموت ذكراً وأشدهم استعداداً له أولئك هم الأكياس" (٢).

وقال الحسن البصري: فضح الموت الدنيا، فلم يترك لذي لب فيها فرحاً، وما ألزم عبد قلبه ذكر الموت إلا صغرت الدنيا عليه، وهان عليه جميع ما فيها.

وكان ابن عمر رضى الله إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير، وكان يجمع كل ليلة الفقهاء، فيتذكرون الموت والقيامة ثم يبكون، حتى كأن بين أيدهم جنازة.


(١) نسبة العراقي في "تخريج الإحياء" إلى ابن أبى الدنيا في "الموت" بإسناد ضعيف.
(٢) ضعيف أخرجه ابن ماجة (٤٢٩٥) من حديث ابن عمر، وفى سنده مجهولان.

مختصر منهاج القاصدين ،ص:382ـ383.

Loading...