هل يجوز للولايات الإسلامية أن تنبذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟

هل يجوز للولايات الإسلامية أن تنبذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟

اللفظ / العبارة' هل يجوز للولايات الإسلامية أن تنبذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي لا يجوز
القسم المناهي العملية
Content

فصل: [الولايات الإسلامية] ، [الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

وإذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي، فالأمر الذي بعث الله به رسوله هو الأمر بالمعروف والنهي الذي بعثه به هو النهي عن المنكر، وهذا نعت النبي والمؤمنين، كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: ٧١] .

وهذا واجب على كل مسلم قادر، وهو فرض على الكفاية ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره، والقدرة هي السلطان والولاية، فذوو السلطان أقدر من غيرهم، وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، فإن مناط الوجوب هو القدرة؛ فيجب على كل إنسان بحسب قدرته، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] .

وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى، مثل نيابة السلطنة، والصغرى مثل ولاية الشرطة، وولاية الحكم، أو ولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية وولاية الحسبة.

لكن من المتولين من يكون بمنزلة الشاهد المؤتمن، والمطلوب منه الصدق، مثل الشهود عند الحاكم، ومثل صاحب الديوان الذي وظيفته أن يكتب المستخرج والمصروف، والنقيب والعريف الذي وظيفته إخبار ذي الأمر بالأحوال.

ومنهم من يكون بمنزلة الأمين المطاع والمطلوب منه العدل، مثل الأمير والحاكم والمحتسب، وبالصدق في كل الأخبار، والعدل في الإنشاء من الأقوال، وتصلح جميع الأحوال، وهما قرينان كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: ١١٥] .

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الظلمة: "من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولا يرد عليّ الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض" ١.

وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب! فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا" ٢.

ولهذا قال سبحانه وتعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: ٢٢١] .

وقال تعالى: {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق: ١٥] .

فلهذا يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل وإن كان فيه كذب وظلم , فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم، والواجب إنما هو فعل المقدور، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- أو "عمر بن الخطاب""من قلد رجلًا على عصابة هو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله، وخان المؤمنين" ٣.


١ أخرجه الإمام أحمد في مسنده "٢/ ٩٥"، والنسائي في سننه "٧/ ١٦٠" عن "كعب بن عجرة" وهو حديث حسن.
٢ روى مثله مسلم في صحيحه "١٦/ ٣٩٨" عن عبد الله بن مسعود بلفظ "وما يزال" لا "ولا يزال"، وكذلك عنه الترمذي في سننه "٨/ ١٤٧" والإمام أحمد في مسنده "١/ ٣٨٤" وروى نحوه البخاري في صحيحه "١٠/ ٥٠٧" عنه أيضًا، وكذلك مسلم في صحيحه "١٦/ ٣٩٦، ٣٩٧" وأبو داود في سننه "١٣/ ٣٣٣" بدءًا بالنهي عن الكذب، "إياكم والكذب"، وهو حديث صحيح.
٣ رواه الحاكم في مستدركه "٤/ ٩٢" عن "ابن عباس" عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وقال: "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الإمام الذهبي على ذلك.

فالواجب إنما هو الأرضى من الموجود، والغالب أنه لا يوجد كامل، فيفعل خير الخيرين ويدفع شر الشرين، ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول: "أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة". وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يفرحون بانتصار الروم والنصارى على المجوس، وكلاهما كافر؛ لأن أحد الصنفين أقرب إلى الإسلام، وأنزل الله في ذلك: "سورة الروم" لما اقتتلت الروم وفارس، والقصة مشهورة وكذلك يوسف كان نائبًا لفرعون مصر وهو وقومه مشركون، وفعل من العدل والخير ما قدر عليه، ودعاهم إلى الإيمان بحسب الإمكان.

الحسبة لابن تيمية ،ص:11إلى 15.

Loading...