حكم اتباع غير سبيل المؤمنين في الاعتقاد في باب الأسماء والصفات.
اللفظ / العبارة'
حكم اتباع غير سبيل المؤمنين في الاعتقاد في باب الأسماء والصفات.
متعلق اللفظ
مسائل عقدية.
الحكم الشرعي
بدعة مكفرة
القسم
المناهي العملية
Content
مسألة
ما قولُكم في مذهب السَّلف في الاعتقاد ومذهب غيرهم من المتأخرين؟ ما الصوابُ منهما؟ وما تنتحِلُونه أنتم من المَذْهَبيْن؟ وعن أهل الحديث: هل هم أولى بالصواب مِنْ غيرهم؟ وهل هم المرادُ بالفرقة الناجية؟ وهل حدث بعدهم علومٌ جَهِلُوها وعَلِمها غيرُهم؟ وعمَّا تقولون في المنطق؟ وهل من قال:«إنه فرضُ كفايةٍ» مصيبٌ أم مخطئ؟
الجواب
هذه المسائل بسطُها يحتملُ مجلَّدات، لكن نشيرُ إلى المهمِّ منها, والله الموفق.
قال الله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: ١١٥]، وقد شهد اللهُ لأصحاب نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ومَن تبعهم بإحسانٍ بالإيمان, فعُلِمَ قطعًا أنهم المرادُ بالآية الكريمة (١)، فقال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
فحيثُ تقرَّر أن من اتَّبع غيرَ سبيلهم وَلَّاه الله ما تولى وأصلاهُ جهنم= فمِنْ سبيلهم في الاعتقاد الإيمانُ بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصفَ بها نفسَه وسمَّى بها نفسَه في كتابه وتنزيله أو على لسان رسوله، من غير زيادةٍ عليها, ولا نقصٍ منها، ولا تجاوزٍ لها, ولا تفسيرٍ لها ولا تأويلٍ لها بما يخالفُ ظاهرَها, ولا تشبيهٍ (١) بصفات المخلوقين ولا سِمَات المُحْدَثين.
بل أمَرُّوها كما جاءت، وردُّوا علمَها إلى قائلها، ومعناها إلى المتكلِّم بها.
وقال بعضهم ــ ويروى عن الشافعيِّ ــ: «آمنتُ بما جاء عن الله [على مراد الله](٢)، وبما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مراد رسول الله» (٣).
وعلموا أن المتكلِّم بها صادقٌ لا شكَّ في صدقه فصدَّقوه، ولم يعلموا حقيقة معناها فسكتوا عمَّا لم يعلموه.
وأخذ ذلك الآخرُ عن الأول، ووصَّى بعضُهم بعضًا بحُسْن الاتِّباع والوقوف حيثُ وقف أوَّلُهم، وحذَّروا من التجاوز لهم والعدول عن طريقتهم(١)، وبيَّنوا لنا(٢)سبيلَهم ومذهبَهم، ونرجو أن يجعلنا الله تعالى ممَّن اقتدى بهم في بيان ما بيَّنوه، وسلوك الطريق الذي سلكوه.
والدليلُ على أن مذهبهم ما ذكرناه: أنهم نقلوا إلينا القرآن العظيم وأخبارَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نقلَ مُصَدِّقٍ لها, مؤمنٍ بها, قابلٍ لها, غير مرتابٍ فيها ولا شاكٍّ في صدق قائلها، ولم يفسِّروا ما يتعلقُ بالصفات منها, ولا تأوَّلوه، ولا شبَّهوه بصفات المخلوقين؛ إذ لو فعلوا شيئًا من ذلك لنُقِل عنهم ولم يَجُزْ أن يُكْتَم بالكليَّة؛ إذ لا يجوز التواطؤُ على كتمان ما يُحْتاجُ إلى نقله ومعرفته؛ لجريان ذلك في القُبْحِ مجرى التواطؤ على نقل الكذب وفِعْل ما لا يحلُّ.
بل بلغ من مبالغتهم في السكوت عن هذا أنهم كانوا إذا رأوا من يَسأل عن المتشابه بالغوا في كَفِّه، تارةً بالقول العنيف, وتارةً بالضرب، وتارةً بالإعراض الدالِّ على شدَّة الكراهة لمسألته (٣).
ولذلك لمَّا بلغ عمرَ - رضي الله عنه - أن صَبِيغًا (٤) يَسأل عن المتشابه أعَدَّ له عَراجِينَ النخل (٥)، فبينما عمر يخطبُ قام فسأله عن {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١)
فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} [الذاريات: ١، ٢] وما بعدها، فنزل عمرُ فقال: ما اسمك؟ قال: أنا عبد الله صَبِيغ, قال عمر: وأنا عبد الله عمر, اكشِفْ رأسَك, فكشفه فرأى عليه شَعرًا, فقال: لو وجدتُك محلوقًا لضربتُ الذي فيه عيناك بالسيف (١) , ثم أمر به فضُرِب ضربًا شديدًا، وبعَث به إلى البصرة وأمرهم ألا يجالسوه، فكان بها كالبعير الأجرب لا يأتي مجلسًا إلا قالوا:«عَزْمةُ أمير المؤمنين» , فتفرَّقوا عنه, حتى تاب وحلف بالله ما بقي يجدُ مما كان في نفسه شيئًا، فأذِنَ عمرُ في مجالسته، فلما خرجت الخوارجُ أُتِيَ فقيل له: هذا وقتُك, فقال: لا، نفعتني موعظةُ العبد الصالح (٢).
ولمَّا سئل مالك بن أنس - رضي الله عنه - , فقيل له: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى
(١). قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (٥/ ٧١): «إنما قال ذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخوارج: سيماهم التحليق». وانظر: «الاستقامة» (١/ ٢٥٨). (٢). «ذم التأويل» (١٠). أخرجه الدارمي (١٤٦) , واللالكائي (١١٣٨) , وغيرهما من طرقٍ يصحُّ بها .. قال الآجري في «الشريعة» (١/ ٤٨٤): «فإن قال قائل: فمن يسأل عن تفسير {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} استحقَّ الضربَ والتنكيل به والهجرة؟! قيل له: لم يكن ضرب عمر - رضي الله عنه - له بسبب هذه المسألة، ولكن لما تأدَّى إلى عمر ما كان يسأل عنه من متشابه القرآن من قبل أن يراه, عَلِم أنه مفتونٌ قد شغل نفسه بما لا يعود عليه نفعه, وعلم أن اشتغاله بطلب علم الواجبات من علم الحلال والحرام أولى به, وتطلُّب علم سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى به, فلما علم أنه مقبلٌ على ما لا ينفعه سأل عمرُ الله تعالى أن يمكِّنه منه حتى ينكِّل به, وحتى يحذِّر غيره؛ لأنه راعٍ يجب عليه تفقُّد رعيته في هذا وفي غيره, فأمكنه الله تعالى منه». وقال ابن كثير في تفسيره (١٣/ ٢٠٨): «إنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنتًا وعنادًا». وانظر: «مجموع الفتاوى» (١٣/ ٣١٢).
(١). في الأصل: «تشبه». (ط): «تشبيه لها». والمثبت من «ذم التأويل» للموفق ابن قدامة (٦) وجلُّ المقدمة منه, وسأرمز لقراءاته بـ (ذ). (٢). زيادة من (ذ) يقتضيها السياق. (٣). «ذم التأويل» (٧). وانظر: «منازل الأئمة الأربعة» للسلماسي (١٤٦) , و «رموز الكنوز» للرسعني (٢/ ١٤٩).