الفوارق بين الرجل والمرأة، الجسدية والمعنوية والشرعية، ثابتة قدراً وشرعاً، وحساً وعقلاً.
بيان ذلك: أن الله سبحانه وتعالى خلق الرجل والمرأة شطرين للنوع الإنساني: ذكراً وأنثى {وأنّه خلَق الزوجين الذكر والأنثى}[النجم: ٤٥] ، يشتركان في عِمارة الكون كلٌّ فيما يخصه، ويشتركان في عمارته بالعبودية لله تعالى، بلا فرق بين الرجال والنساء في عموم الدين: في التوحيد، والاعتقاد، وحقائق الإيمان، وإسلام الوجه لله تعالى، وفي الثواب والعقاب، وفي عموم الترغيب والترهيب، والفضائل. وبلا فرق أيضاً في عموم التشريع في الحقوق والواجبات كافة:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[الذاريات: ٥٦] ،
وقال سبحانه:{مَن عَمِلَ صالحاً مِن ذكرٍ أَو أُنثى وَهُو مؤمن فلنحْيِيَنَّه حياة طيبة}[النحل: ٩٧] . وقال عز شأنه:{ومن يعمل من الصالِحَاتِ من ذكرٍ أو أنثَى وَهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظْلمون نقيراً}[النساء: ١٢٤] .
لكن لما قَدَّر الله وقضى أن الذكر ليس كالأنثى في صِفة الخلقة والهيئة والتكوين، ففي الذكورة كمال خَلقي، وقوة طبيعية، والأنثى أنقص منه خلقة وجِبِلَّة وطبيعةً، لما يعتريها من الحيض والحمل والمخاض والإرضاع وشؤون الرضيع، وتربية جيل الأمة المقبل، ولهذا خلقت الأنثى من
ضِلع آدم عليه السلام، فهي جزء منه، تابع له، ومتاع له، والرجل مؤتمن على القيام بشؤونها وحفظها والإنفاق عليها، وعلى نتاجهما من الذرية.
كان من آثار ،ص:18.
هذا الاختلاف في الخلقة: الاختلاف بينهما في القوى، والقُدرات الجسدية، والعقلية، والفكرية، والعاطفية، والإرادية، وفي العمل والأداء، والكفاية في ذلك، إضافة إلى ما توصل إليه علماء الطب الحديث من عجائب الآثار من تفاوت الخلق بين الجنسين.
وهذان النوعان من الاختلاف أنيطت بهما جملة كبيرة من أحكام التشريع، فقد أوجبا - ببالغ حكمة الله العليم الخبير - الاختلاف
والتفاوت والتفاضل بين الرجل والمرأة في بعض أحكام التشريع، في المهمات والوظائف التي تُلائم كلَّ واحد منهما في خِلقته وتكوينه، وفي قدراته وأدائه، واختصاص كل منهما في مجاله من الحياة الإنسانية، لتتكامل الحياة، وليقوم كل منهما بمهمته فيها.
فخصَّ سبحانه الرجال ببعض الأحكام، التي تلائم خلقتهم وتكوينهم، وتركيب بنيتهم، وخصائص تركيبها، وأهليتهم، وكفايتهم في الأداء، وصبرهم وَجَلدهم ورزانتهم، وجملة وظيفتهم خارج البيت، والسعي والإنفاق على من في البيت.
وخص سبحانه النساء ببعض الأحكام التي تلائم خلقتهن وتكوينهن، وتركيب بنيتهن، وخصائصهن، وأهليتهن، وأداءهن، وضعف تحملهن، وجملة وظيفتهن ومهمتهن في البيت، والقيام بشؤون البيت، وتربية من فيه من جيل الأمة المقبل.
وذكر الله عن امرأة قولها:{وليس الذكر كالأنثى}[آل عمران: ٣٦] ، وسبحانه من له الخلق والأمر والحكم والتشريع:{ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}[الأعراف: ٥٤] .
فتلك إرادة الله الكونية القدرية في الخلق والتكوين والمواهب، وهذه إرادة الله الدينية الشرعية في الأمر والحكم
والتشريع، فالتقت الإرادتان على مصالح العباد وعمارة الكون، وانتظام حياة الفرد والبيت والجماعة والمجتمع الإنساني.،ص:18.
[وهذا طرف مما اختص به كل واحد منهما]
فمن الأحكام التي اختص بها الرجال:
الله أنهم قوامون على البيوت بالحفظ والرعاية وحراسة الفضيلة، وكف الرذائل، والذود عن الحمى من الغوائل، وقَوّامون على البيوت بمن فيها بالكسب والإنفاق عليهم.
قال الله تعالى:{الرجال قَوَّامونَ على النسَاء بِما فضَّل اللهُ بعضهمْ على بعضٍ وبِما أنفقوا مِن أمْوالهم فالصَّالحِات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيبِ بما حفظ
الله} [النساء: ٣٤] .
وانظر إلى أثر هذا القيام في لفظ القرآن العظيم:{تَحْتَ} في قول الله تعالى في سورة التحريم: {ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين}[التحريم: ١٠] .
فقوله سبحانه:{تحت} إعلام بأنه لا سلطان لهما على زوجيهما، وإنما السلطان للزوجين عليهما، فالمرأة لا تُسَاوَى بالرجل ولا تعلو فوقه أبداً.
الله ومنها: أن النبوة والرسالة لا تكون إلا في الرجال دون النساء، قال الله تعالى:{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي
إليهم} [يوسف: ١٠٩] .
قال المفسرون: ما بعث الله نبياً: امرأة، ولا ملكاً، ولا جنياً، ولا بدوياً.
الله وأن الولاية العامة، والنيابة عنها، كالقضاء والإدارة وغيرهما، وسائر الولايات كالولاية في النكاح، لا تكون إلا للرجال دون النساء.
الله وأن الرجال اختصوا بكثير من العبادات دون النساء، مثل: فرض الجهاد، والجُمع، والجماعات، والأذان والإقامة وغيرها، وجُعل الطلاق بيد الرجل لا بيدها، والأولاد ينسبون إليه لا إليها.،ص:20.
وهذه وغيرها من الأحكام التي اختص بها الرجال هو معنى ما ذكره الله سبحانه في آخر آية الطلاق [٢٢٨ من سورة البقرة] في قوله تعالى: {وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} .
وأما الأحكام التي اختص الله بها النساء فكثيرة تنتظم أبواب: العبادات، والمعاملات، والأنكحة وما يتبعها، والقضاء وغيرها، وهي معلومة في القرآن والسنة والمدونات الفقهية، بل أفردت بالتأليف قديماً وحديثاً.
ومنها ما يتعلق بحجابها وحراسة فضيلتها.
وهذه الأحكام التي اختص الله سبحانه بها كل واحد من الرجال والنساء تفيد أموراً، منها الثلاثة الآتية:
الأمر الأول: الإيمان والتسليم بالفوارق بين الرجال والنساء؛ الحسية والمعنوية والشرعية، وليرذ كل بما كتب الله له قدراً وشرعاً، وأن هذه الفوارق هي عين العدل، وفيها انتظام حياة المجتمع الإنساني.
الأمر الثاني: لا يجوز لمسلم ولا مسلمة أن يتمنى ما خص الله به الآخر من الفوارق المذكورة، لما في ذلك من السخط على قدر الله، وعدم الرضا بحكمه وشرعه، وليسأل العبد ربَّه من فضله، وهذا أدب شرعي يزيل الحسد، ويهذب
النفس المؤمنة، ويروضها على الرضا بما قدَّر الله وقضى.
ولهذا قال الله تعالى ناهياً عن ذلك:{ولا تتمنوا مَا فضَّل الله به بعضكم على بعض للرجالِ نصيبٌ مِمَّا اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إنَّ اللهَ كانَ بكلِّ شيءٍ عليماً}[النساء: ٣٢] .
وسبب نزولها ما رواه مجاهد قال: قالت أم سلمة: أيْ رسول الله! أيغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث؟ فنزلت:{ولا تتمنوا ما فضل الله..} رواه الطبري، والإمام أحمد، والحاكم وغيرهم.ص:20.
قال أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى:((يعني بذلك جل ثناؤه: ولا تتشهوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، وذُكر أن ذلك نزل في نساء تمنين منازل الرجال، وأن يكون لهن ما لهم، فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة، وأمرهم أن يسألوه من فضله، إذ كانت الأماني تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق)) انتهى.