مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

اللفظ / العبارة' مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
متعلق اللفظ مسألة فقهية / عقدية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
المحتوى

[قوله صلى الله عليه وسلم: " وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري "]

هذا يدل على أن العز الرفعة في الدنيا والآخرة بمتابعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لامتثال متابعة أمر الله، قال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} وقال تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} وقال تعالى: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً} .،ص:31.

وفي بعض الآثار يقول الله تعالى: " أنا العزيز فمن أراد العز فليطع العزيز ". قال الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ، فالذلة والصغار يحصل بمخالفة أمر الله ورسوله. ومخالفة الرسول على قسمين:

(أحدهما) مخالفة من لا يعتقد طاعة أمره كمخالفة الكفار، وأهل الكتاب الذين لا يرون طاعة الرسول، فهم تحت الذلة والصغار، ولهذا أمر الله بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وعلى اليهود الذلة والمسكنة لأن كفرهم بالرسول كفر عناد.

(والثاني) من اعتقد طاعته ثم يخالف أمره بالمعاصي التي يعتقد أنها معصية فله نصيب من الذلة والصغار، وقال الحسن: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية في رقابهم، أبى الله أن يذل إلا من عصاه،ص:31.

كان الإمام أحمد يدعو: اللهم أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعصية.

وقال أبو العتاهية:

ألا إنما التقوى هي العز والكرم ... وحبك للدنيا هو الذل والسقم

وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم

فأهل هذا النوع خالفوا الرسول من أجل داعي الشهوات.

(والنوع الثاني) من خالف أمره من أجل الشبهات وهم أهل الأهواء والبدع، فكلهم لهم نصيب من الذلة والصغار بحسب مخالفتهم لأوامره،ص:32.

قال تعالى: {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين} .

وأهل الأهواء والبدع كلهم مفترون على الله، وبدعتهم تتغلظ بحسب كثرة افترائهم عليه، وقد جعل الله من حرم ما أحله الله وحلل ما حرمه الله مفتريا عليه الكذب، فمن قال على الله ما لا يعلم فقد افترى عليه الكذب، ومن نسب إليه ما لا يجوز نسبته إليه من تمثيل أو تعطيل، أو كذب بأقداره فقد افترى على الله الكذب.

وقد قال الله عز وجل {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} . وقال سفيان: الفتنة أن يطبع الله على قلوبهم.

فلهذا تغلظت عقوبة المبتدع على عقوبة العاصي لأن المبتدع مفتر على الله مخالف لأمر رسوله لأجل هواه.

فأما مخالفة بعض أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم خطأ من غير عمد، مع الاجتهاد على متابعته، فهذا يقع كثيراً من أعيان الأمة من علمائها وصلحائها، ولا إثم فيه، بل صاحبه إذا اجتهد فله أجر على اجتهاده، وخطأه موضوع عنه، ومع هذا فلا يمنع ذلك من علم أمر الرسول،ص:34.

نصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين، ولا يمنع ذلك من عظمة من خالف أمره خطأ، وهب ان هذا المخالف عظيم له قدر وجلالة، وهو محبوب للمؤمنين إلا أن حق الرسول مقدم على حقه وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي عظيم الأمة، فإن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ.

ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم من العلماء على كل من خالف سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد - لا بغضاً له بل هو محبوب عندهم، معظم في نفوسهم - لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليهم، وأمره فوق كل أمر مخلوق. فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أولى ان يقدم ويتبع، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفوراً له، بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه، بل يرضى بمخالفة أمره ومتابعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ظهر أمره بخلافه. كما أوصى الشافعي: إذا صح الحديث في خلاف قوله؛ أن يتبع الحديث ويترك قوله. وكان يقول: " ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ، وما ناظرت أحداً فباليت أظهر الحق على لسانه أو على لساني ". لأن تناظرهم كان لظهور أمر الله ورسوله لا لظهور نفوسهم والانتصار لها.

كتاب الحكم الجديرة بالإذاعة،ص:34.

Loading...