ترك لزوم الإحسان، والعشرة بالمعروف

ترك لزوم الإحسان، والعشرة بالمعروف

اللفظ / العبارة' ترك لزوم الإحسان، والعشرة بالمعروف
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

 لزوم الإحسان، والعشرة بالمعروف]

أوصى الإسلام بالإحسان للزوجة، ووجوب عشرها بالمعروف، ومن الأدلة على ذلك:

١ - يقول تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (١).

يقول ابن كثير: «وقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها، مثله كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» وكان من أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- أنه جميل العشرة، دائم البشر يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه» (٢)، وفي حال كراهة الرجل لزوجته يوصي القرآن بها، ويعلق عليها الخير الكثير إن صبر الزوج عليها، وعسى الله أن يُحْدِث بعد ذلك أمرًا.


(١) النساء: (١٩).
(٢) التفسير (١/ ٤٦٧).ص:777.

يقول الزمخشري: «فإن كرهتموهن فلا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها، فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين، وأحمد، وأدى إلى الخير، وأحبت ما هو بضد ذلك، ولكن النظر في أسباب الصلاح» (١).

وقوله: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} علة للجزاء أقيمت مقامه للإيذان بقوة استلزامها إيّاه، كأنه قيل فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة، فلعل لكم فيما تكرهونه خيرًا كثيرًا، ليس فيما تحبونه؛ فإن النفس قد تكره ما هو أصلح في الدين، وأحمد عاقبة، وأدى إلى الخير، وتحب ما هو بخلافه، فليكن نظركم إلى ما فيه خير وصلاح دون ما تقوى أنفسكم (٢).

فالله تعالى أوصى الرجل بالعشرة بالمعروف حتى مع الكراهة، وعلّق سبحانه الخير الكثير على الصبر على من تكرهون من النساء إن كانت الكراهة من قبلكم دون تسبب للمرأة فيها.

وقلِّب بين معاني الآية بصرك، واملأ منها يدك، وروِّ من معينها قلبك، ثم انظر هل تقيم على وجدانك، أو تقر على عاطفتك فيما تكره من امرأتك؟ وما ظنك بأمر تكرهه ثم تظل على لجاجك فيه بعد أن مناك الله بالخير الكثير من ورائه؟ وأين ذلك من حسن الثقة، وتمام الإيمان بالله!

٢ - وحين تكثر المشاكل بين الزوجين، وتصل الأمور إلى منتهاها، وتستغلق الأزمة يأتي الحل الأمثل لمثل هذه الحياة بقول تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٣).

يقول ابن كثير: «{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} أي إذا طلقتها


(١) الكشاف (١/ ٥٢٢).
(٢) ينظر: تفسير أبي السعود (٢/ ١٥٨).
(٣) البقرة: (٢٢٩).ص:778.

واحدة أو اثنتين، فأنت مخير فيها ما دامت عدها باقية بين: أن تردها إليك ناويًا الإصلاح بها، والإحسان إليها، وبين أن تتركها حتى تنقضي عدتها فتبين منك، وتطلق سراحها محسنًا إليها لا تظلمها من حقها شيئًا، ولا تضار بها» (١).

فحمى الإسلام حق الزوجة في حال كره الرجل لها، وفي اختيار طلاقها، فلله الحمد والمنة.

٣ - أخرج الدارمي في السنن (٢)، والترمذي في السنن (٣) وابن حبان في صحيحه (٤)، والبيهقي في الكبرى (٥) والشعب (٦)، وأبو نعيم في الحلية (٧) من طرق عن سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، وإذا مات صاحبكم فدعوه» واللفظ للترمذي.

وقال: حديث حسن غريب صحيح من حديث الثوري، ما أقل من رواه عن الثوري. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٨)، والصحيحة (٩). قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري.


(١) التفسير (١/ ٢٧٣).
(٢) (٢/ ٢١٢) ٢٢٦٠.
(٣) (٥/ ٧٠٩) ٣٨٩٥.
(٤) (٩/ ٤٨٤) ٤١٧٧.
(٥) (٧/ ٤٦٨) ١٥٤٧٧.
(٦) (٦/ ٤١٥) ٨٧١٨.
(٧) (٧/ ١٣٨).
(٨) (٥/ ٣٨٩).
(٩) (٩/ ١٦٩) ١١٧٤.ص:779.

قال المباركفوري: «(خيركم خيركم لأهله) أي: لعياله وذوي رحمه، وقيل: لأزواجه وأقاربه، وذلك لدلالته على حسن الخلق (وأنا خيركم لأهلي) فأنا خيركم مطلقًا، وكان أحسن الناس عشرة لهم، وكان على خلق عظيم» (وإذا مات صاحبكم) أي واحد منكم، ومن جملة أهاليكم (فدعوه) أي: اتركوا ذكر مساويه، فإن تركه من محاسن الأخلاق، ودلهم -صلى الله عليه وسلم- على المجاملة وحسن المعاملة مع الأحياء والأموات» (١).

٤ - ما أخرجه ابن ماجه في السنن (٢)، والترمذي في السنن (٣) من طريق زائدة، عن شبيب بن غَرْقدة، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، قال: حدثي أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحمد الله وأثنى عليه، وذكَّر، ووعظ، فذكَر في الحديث قصة، فقال: «ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا، ألا إن لكم على نسائكم حقًا، ولنسائكم عليكم حقًا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن، وطعامهن» واللفظ للترمذي.

وقال: هذا حديث حسن صحيح. ومعنى قوله «عوان عندكم» يعني أسرى بين أيديكم.


(١) تحفة الأحوذي (١٠/ ٢٦٩).
(٢) (١/ ٥٩٤) ١٨٥١.
(٣) (٣/ ٤٦٧) ١١٦٣.ص:780.

وصححه ابن القيم في الزاد (١)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٢). وفي إسناده سليمان بن عمرو بن الأحوص قال الحافظ عنه: «مقبول» (٣) أي حيث يتابع وإلا فلين الحديث كما هو اصطلاحه، وقد تقدم (٤) تحقيق القول فيمن كان هذا حاله، من فئة التابعين، وترجيح ابن القيم تحسين حديثه.

وللحديث شاهد من حديث جابر تقدم (٥).

وعلى كل فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصى بالنساء في محفل عظيم في أواخر حياته، وذكر أنهن عوان عند الرجال، فَلَزِم الإحسان إليهن.

٥ - أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (٦)، وأحمد في المسند (٧)، والقضاعي في مسند الشهاب (٨)، والترمذي في السنن (٩)، وابن حبان في صحيحه (١٠)، والحاكم في المستدرك (١١)، والبيهقي في الشعب (١٢) من طرق عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أكمل المؤمنين إيمانًا، أحسنهم خُلقًا،


(١) (٤/ ٤٦).
(٢)
(٣) التقريب (٤١١) ٢٦١٣، وانظر: تهذيب التهذيب (٤/ ١٨٦) ٣٦٣.
(٤) ص (١٢٦).
(٥) ص (٦٤٤).
(٦) (٦/ ١٦٥) ٣٠٣٦٩.
(٧) (١٢/ ٣٦٤) ٧٤٠٢.
(٨)
(٩) (٣/ ٤٦٦) ١١٦٢.
(١٠) (٩/ ٤٨٣) ٤١٧٦.
(١١) (١/ ٣).
(١٢) (١/ ٦١) ٢٧.ص:781.

وخِيارهم خيارهم لنسائهم».

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح لم يخرج في الصحيحين، وهو صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي (١)«حسن صحيح».

وهذا الإسناد حسن؛ رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي فمن رجال السنن، وروى له البخاري مقرونًا، ومسلم متابعة، وهو حسن الحديث (٢)، والحديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده. وقد تقدم حديث عائشة فيما قبله (٣) وهو شاهد له.

وله شاهد -أيضًا- أخرجه أحمد في المسند (٤)، والترمذي في السنن (٥)، والنسائي في الكبرى (٦) من طرق عن خالد الحذّاء، عن أبي قِلابة، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله» واللفظ لأحمد.

قال الترمذي: هذا حديث صحيح، ولا نعرف لأبي قلابة سماعًا من عائشة، وقد روى أبو قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع لعائشة عن عائشة غير هذا الحديث، وأبو قلابة عبد الله بن زيد الجَرْمي.


(١)
(٢) ينظر: تهذيب التهذيب (٩/ ٣٣٣) ٦١٩، التقريب (٨٨٤) ٦٢٢٨.
(٣) ص (٧٩٥).
(٤) (٤/ ٢٤٢) ٢٤٢٠٤.
(٥) (٥/ ٩) ٢٦١٢.
(٦) (٥/ ٣٦٤) ٩١٥٤.782.

 والإسناد ضعيف؛ لانقطاعه، وما قبله شاهد له.

وتأمل -حفظك الله- الحديث تجد أن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وقد ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة، ولا يتصور في مؤمن يحكِّم شرع الله أن يجفو القريب، ويصل البعيد، ويحسن إليه، ومَنْ في بيته يعاني ظلمه وتسلطه، ولا شك أن الزوجة من أقرب الناس للرجل فهي لباسه وسكنه ووصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياه.

٦ - ما أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الرضاع، باب: الوصية بالنساء (١) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «لا يَفْرُكْ (٢) مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا، رضي منها آخر».

قال النووي: « … بل الصواب أنه في، أي ينبغي ألّا يبغضها؛ لأنه إن وجد فيها خلقًا يكره، وجد فيها خلقًا مرضيًّا بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به أو نحو ذلك» (٣).

وقال الشوكاني: « … فيه الإرشاد إلى حسن العشرة، والنهي عن البغض للزوجة بمجرد كراهة خلق من أخلاقها، فإنها لا تخلو مع ذلك عن أمر يرضاه منها، وإذا كانت مشتملة على المحبوب والمكروه. فلا ينبغي ترجيح مقتضي الكراهة على مقتضى المحبة» (٤).

ثم إن الإنسان لا يكاد يجد محبوبًا ليس فيه ما يكره، فليصبر على ما يكره لما


(١) (٢/ ١٠٩١) ١٤٦٩.
(٢) لا يفرك أي: لا يبغض. ينظر: مشارق الأنوار (٢/ ١٥١)، النهاية (٣/ ٤٤١) مادة (ف ر ك).
(٣) شرح صحيح مسلم (١٠/ ٥٨).
(٤) نيل الأوطار (٦/ ٣٥٩).ص:783.

يحب، ورحم الله القائل:

ومن يتتبع جاهدًا كل عثرة … يجدها، ولا يسلم له الدهرَ صاحبُ

فانظر إلى حماية الإسلام للمرأة ففي الآية يحث الله تعالى على الصبر على الزوجة عند الكره لها، ويأمر بمعاشرتهما بالمعروف، ويعلق على ذلك الخير الكثير، والحديث يحث الرجلَ على عدم التركيز على السلبيات والغض عن الحسنات بل إن أبغضَ خلقًا نظر في الآخر.

 كتاب: حقوق المرأة في ضوء السنة النبوية ،ص:784.








Loading...