من هذا يتبيّن لنا خطآن يقع فيهما كثير من المصلّين:
[١/٣٣] الأول: الصّلاة في أمكنة بعيدة عن الصفّ، استرواحاً أو تعوّداً الصّلاة في مكان
معيّن في المسجد (٢) !! فترى بعض المصلّين قد تعوّدوا أن يصلّوا في((السّدة)) التي في المسجد، فيبتعدوا عن الإمام، ويصلّوا في هذه((السّدة)) ، على الرّغم من وجود أمكنة شاغرة في الصفوف الأولى، وهذ مخالف للحديث السابق، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد رأى في أصحابه تأخُّراً، فقال لهم:تقدّموا، فائتمُّوا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخّرون حتى يؤخّرَهم الله(٣).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:((ولا يصف في الطّرقات والحوانيت، مع خلو المسجد، ومَنْ فعل ذلك، استحق التّأديب، ولمن جاء بعده تخطيه، ويدخل لتكميل الصفوف المتقدمة، فإن هذا لا حرمة له.
قال: فإن امتلأ المسجد بالصفوف، صفّوا خارج المسجد، فإذا اتصلت الصفوف حينئذ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم.
وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر، طريق يمشي النّاس فيه، لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء، وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط، بحيث لا يرون الصفوف، ولكن يسمعون التكبير، من غير حاجة، فإنه لا تصح صلاتهم في الأظهر، وكذلك مَنْ صلى في حانوته، والطريق خالٍ، لم تصح صلاته، وليس له أن يقعد في الحانوت، وينتظر اتصال الصفوف به، بل عليه أن يذهب إلى المسجد، فيسد الأول فالأول فالأول)) ، في مجموع الفتاوى (23/410)
الثاني: ترك التراص في الصفوف، ووجود الفرج فيها، ومنشأ ذلك اعتقاد جماهير المسلمين أن تسوية الصفوف وإقامتها بالمناكب فحسب!! وخفي عليهم أن من تسوية
الصف تسويته بالأقدام أيضاً.
عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أقيوا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري.
قال أنس: وكان أحدنا يُلْزِق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه (١) .
وفي رواية: قال أنس: لقد رأيت أحدنا يُلْزِق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه. ولو ذهبت تفعل ذلك اليوم، لترى أحدهم، كأنه بغل شموس (٢) .
ولهذا قال بُشَيْر بن يسار الأنصاري عن أنس: أنه لما قدم المدينة، فقيل له: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ما أنكرت إلا أنكم لا تقيمون الصفوف (٣) .
فظهر أن إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصّفوف سنّة، قد عمل بها الصّحابة – رضي الله عنهم – خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو المراد بإقامة الصّف وتسويته على ما قال الحافظ ابن حجر كما سيأتي.
وقول أنس بن مالك:((ولو ذهبت تفعل ذلك اليوم لترى أحدهم، كأنه بغل شموس)) وهكذا حال أكثر النّاس في هذا الزّمان، فإنه لو فعل بهم ذلك، لنفروا كأنهم حمر وحش! وصارت هذه السنّة عندهم، كأنها بدعة ـ عياذاً بالله ـ فهداهم الله تعالى، وأذاقهم حلاوة السنّة.