أخرج أحمد في المسند (١)، وأبو داود في السنن (٢)، وابن ماجه في السنن (٣) والترمذي في السنن (٤)، والنسائي في الكبرى (٥)، وابن الجارود في المنتقى (٦) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٧)، والبيهقي في الكبرى (٨) من طرق عن حماد بن سلمة، عن حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:«من أتى حائضًا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنًا فصدّقه، فقد برئ مما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-» واللفظ لأحمد.
وقال الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة … وضعف محمد (يعني البخاري) هذا الحديث من قبل إسناده، وأبو تميمة الهجيمي اسمه طريف بن مجالد.
وضعفه البغوي فيما نقله عنه المناوي (٩)، وقال الذهبي في الكبائر: ليس إسناده بالقائم (١٠).
قلت: هذا الإسناد ضعيف؛ لانقطاعه، لأن أبا تميمة لا يعرف له سماع من أبي هريرة (١)، وفيه حكيم الأثرم «فيه لين»(٢) قاله الحافظ.
لكن للحديث شواهد يرتقي بها للحسن أوردها الألباني في الإرواء، ومحققو مسند أحمد (٣).
• ومواقعة المرأة أثناء الحيض تتسبب في كثير من الأمراض الصحية للرجل والمرأة على حد سواء، ولا غرو فإن الله لا يحرم على عباده إلا ما كان خبيثًا.
وقد ذكر الدكتور البار بعض الأضرار الصحية لمواقعة الحائض منها:
ما يختص بالمرأة:
١ - يقذف الغشاء المبطن للرحم بأكمله أثناء الحيض، وبفحص دم الحيض تحت المجهر نجد بالإضافة إلى كرات الدم الحمراء والبيضاء قطعًا من الغشاء المبطن للرحم، ويكون الرحم متقيحًا نتيجة لذلك، تمامًا كما يكون الجلد مسلوخًا، فهو معرض بسهولة لعدوان البكتريا الكاسح، ومن المعلوم طبيًا أن الدم هو خير بيئة لتكاثر المكروبات ونموها، وتقل مقاومة الرحم للميكروبات الغازية نتيجة لذلك، ويصبح دخول الميكروبات الموجودة على سطح القضيب يشكل خطرًا داهمًا على الرحم.
٢ - ومما يزيد الطين بلة أن مقاومة المهبل لغزو البكتريا تكون في أدنى مستواها أثناء الحيض، إذ يقل إفراز المهبل للحامض الذي يقتل الميكروبات،
(١) قاله البخاري في التاريخ الكبير (٣/ ١٦) ٦٧. (٢) التقريب (٢٦٧) ١٤٨٩. (٣) وانظر أحاديث أخر في تحريم إتيان الحائض، أو المرأة في دبرها في: آداب الزفاف للألباني (٩٩ - ١٠٦)، تحفة العروس للإستنبولي (١٣٧ - ١٤٢). ص:790.
ويصبح الإفراز أقل حموضة إن لم يكن قلوي التفاعل، وليس ذلك فحسب بل إن جدار المهبل المكون من عدة طبقات من الخلايا يرق أثناء الحيض، فيكون إدخال القضيب ليس إلا إدخالا للميكروبات في وقت لا تستطيع فيه أجهزة الدفاع أن تقاومها.
٣ - امتداد الالتهابات إلى قناتي الرحم تسدها، أو تؤثر على ش عيراتها الداخلية التي لها دور كبير في دفع البويضة من المبيض إلى الرحم، وذلك يؤدي إلى العقم أو إلى الحمل خارج الرحم.
٤ - كما بيّن الدكتور أن المرأة الحائض تكون في حالة جسمية ونفسية لا تسمح لها بالجماع، فإن حدث فإنه يؤذيها أذىً شديدًا.
وأما ما يتعلق بجانب الرجل فيمكن تلخيصه:
بأن إدخال القضيب إلى المهبل المليء بالدماء يؤدي إلى تكاثر الميكروبات، والتهاب قناة مجرى البول لدى الرجل، وتنمو الميكروبات السبحية والعنقودية على وجه الخصوص في مثل هذه البيئة الدموية.
وتنتقل الميكروبات من قناة مجرى البول إلى البروستاتا والمثانة، والتهاب البروستاتا سرعان ما يزمن لكثرة قنواتها الضيقة الملتفة، والتي نادرًا ما يصلها الدواء بكمية كافية لقتل الميكروبات المختفية في تلافيفها، فإذا أزمن التهاب البروستاتا فإن الميكروبات سرعان ما تغزو بقية الجهاز البولي التناسلي، فتنتقل إلى الحالبين، ومنه إلى الكلى، وما أدراك ما التهاب الكلى المزمن إنه العذاب حتى يحين الأجل … ولا علاج (١).
(١) ينظر: نظرية الفكر في الإسلام (١٠٦).ص:791.
• وتأمل -رحمك الله- فيما مرّ بك(١)من عادة اليهود، ومن قلدهم من العرب في الجاهلية أنهم لا يؤاكلون الحائض ولا يساكنوها، فنهى الإسلام عن ذلك، كما حرم إتيان الحائض، وسمح بالتمتع بما دون الفرج، وقد تقدم(٢)هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مباشرة الحائض فيما دون الفرج، فكان دين الإسلام دين الوسطية وخير الأمور أوسطها، فحفظ صحة المرأة الجسمية والنفسية حين منع وطأها، وكذا حين أباح مباشرتها فيما دون الفرج.
• وأما إتيانها في دبرها: فقد قال ابن القيم -رحمه الله-: «وأما الدبر فلم يبح قط على لسان نبي من الأنبياء، ومن نسب إلى بعض السلف إباحة وطء الزوجة في دبرها فقد غلط … (ثم ساق أخبار النهي عنه) وقال: وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها من وجهين:
أحدهما: إنه إنما أباح إتياها في الحرث وهو موضع الولد لا في الحش الذي هو موضع الأذى، وموضع الحرث هو المراد من قوله:{مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} الآية {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} وإتيانها في قبلها من دبرها مستفاد من الآية أيضًا لأنه قال: {أَنَّى شِئْتُمْ} أي: من أين شئتم: من أمام أو من خلف، قال ابن عباس:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} يعني الفرج، وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظن بالحش الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض الانقطاع النسل، والذريعة القريبة جدًّا من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان.
وأيضًا فللمرأة حق على الرجل في الوطء، ووطؤها في دبرها يفوت حقها، ولا يقضي وطرها، ولا يحصل مقصودها، وأيضًا فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل، ولم
(١) ص (٢٩). (٢) ص (١٣٦).ص:792.
يخلق له، وإنما الذي هيئ له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون ع ن حكمة الله وشرعه جميعًا.
وأيضًا فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهى عنه عقلاء الأطباء من الفلاسفة وغيرهم؛ لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن، وراحة الرجل منه، والوطء في الدبر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي … وأيضًا فإنه محل القذر والنجو، فيستقبله الرجل بوجهه ويلابسه» (١).
ويقول د. جمال باصهبي في التحذير من وطء المرأة في الدبر: « … وكما تقول دراستهم فإن أكثر الجراثيم المسببة للالتهاب المجاري البولية، وبالتالي الألم أثناء الاتصال الجنسي هي جرثومة (الأشر بشياء كولاي) والتي توجد في البراز، وتجد طريقها إلى المجاري البولية والمهبل بإتيان المرأة في دبرها (٢).