ورعاية للأمانة، وحفظًا للسر، وتقديرًا للخصوصية، فإن من حق كلا الزوجين على الآخر ألا يحدث بما يحصل بينهما؛ لأن اللابس والملبوس لا يدخل بينهما غريب، والله تعالى يقول:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}(١).
• أخرج مسلم في صحيحه في كتاب النكاح، باب: تحريم إفشاء سر المرأة (٢)، من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه ثم ينشر سرها».
• وأخرج أحمد في المسند (٣)، والطبراني في الكبير (٤) كلاهما من طريق شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والرجال والنساء قعود عنده، فقال:«لعل رجلًا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها» فأرمَّ القوم، فقلت: أي والله يا رسول الله، إنهم ليقلن، وإنهم ليفعلون، قال:«فلا تفعلوا، فإنما مِثلُ ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق، فغشيها والناس ينظرون» واللفظ لأحمد.
• قال الهيثمي في المجمع: «رواه أحمد والطبراني، وفيه شهر بن حوشب،
وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد في المسند (٢)، وسنده ضعيف لجهالة أحد رجاله حيث جاء في إسناده «عن رجل من الطُّفَاوة».
وقد ساق له الألباني في آداب الزفاف (٣) شواهد أخر، ثم قال:«فالحديث بهذه الشواهد صحيح أو حسن على الأقل».
قال الشوكاني في النيل (٤): «والحديثان يدلان على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع، وذلك لأن كون الفاعل لذلك من أشر الناس، وكونه بمنزلة شيطان لقي شيطانة، فقضى حاجته منها، والناس ينظرون، من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينهما الراجعة إلى الوطء ومقدماته، فإن مجرد فعل المكروه لا يصير به فاعله من الأشرار، فضلًا عن كونه من أشرهم، وكذلك الجماع بمرأى من الناس لا شك في تحريمه، وإنما خص النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي سعيد الرجل، فجعل الزجر المذكور خاصًا به، ولم يتعرض للمرأة؛ لأن وقوع ذلك الأمر في الغالب من الرجال. قيل: وهذا التحريم إنما هو في نشر أمور الاستمتاع، ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع، وإفشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقاع، وأما مجرد ذكر نفس الجماع، فإن لم يكن فيه فائدة ولا
(١) (٤/ ٢٩٤). وقد ضعف شهر بن حوشب جماعة من أهل العلم. ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (٤/ ٢٥٨) ٢٧٣٠، الجرح والتعديل (٤/ ٣٨٢) ١٦٦٨، تهذيب التهذيب (٤/ ٣٢٤) ٦٣٥، التقريب (٤٤١) ٢٨٤٦. (٢) (١٦/ ٥٧٣) ١٠٩٧٧. (٣) (٤) (٦/ ٣٥٠ - ٣٥١). ص:797.
إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة، ومن التكلم بما لا يعني، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وقد ثبت في الصحيح (١) عنه -صلى الله عليه وسلم-: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» فإن كان إليه حاجة، أو ترتبت عليه فائدة فلا كراهة في ذكره، وذلك نحو أن تنكر المرأة نكاح الزوج لها، وتدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك».
فلتهنأ المسلمات بشرع رب العالمين الذي ضمن لهن أسرار المعاشرة، ولتبكِ الغربيات على أنفسهن حين انتهكت خصوصياتهن باسم التقدم والمدنية؟!.
(١) جزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأدب، باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره من حديث أبي هريرة (٥/ ٢٢٤٠).