حكم خروج المرأة بلباس غير ساتر لجميع بدنها

حكم خروج المرأة بلباس غير ساتر لجميع بدنها

اللفظ / العبارة' حكم خروج المرأة بلباس غير ساتر لجميع بدنها
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

أن تخرج للعمل باللباس الشرعي الساتر لجميع جسدها، بأوصافه وشروطه (٣).

ومن شروطه:

١ - أن يكون ساترًا لجميع البدن؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (٤) (٥) والجلباب هو الملاءة (أي: العباءة) التي تلتحف به المرأة فوق ثيابها على أصح الأقوال (٦).

قال الألباني -رحمه الله-: «فالحق الذي يقتضيه العمل بما في آيتي النور والأحزاب، أن المرأة يجب عليها إذا خرجت من دارها أن تختمر، وتلبس الجلباب على الخمار؛ لأنه كما قلنا سابقًا أستر لها، وأبعد عن أن يصف حجم رأسها وأكتافها،


(١) البقرة: (٢٨٦).
(٢) ينظر: الإحكام للآمدي (١/ ١٦٠)، الموافقات (٢/ ١١٥).
(٣) انظر شروط اللباس الشرعي في: جلباب المرأة المسلمة للألباني، عودة الحجاب لمحمد إسماعيل مقدم (٣/ ١٤٥)، أهم قضايا المرأة المسلمة لمحمد أبي يحيى (٣١) وما بعدها.
(٤) الأحزاب: (٥٩).
(٥) ينظر: فتح القدير للشوكاني (٤/ ٣٤).
(٦) وقد قيل في تفسيره سبعة أقوال أوردها الحافظ في الفتح (١/ ٣٣٦) وهذا أحدها، وبه جزم البغوي في تفسيره (٣/ ٣٣٩). وقال ابن حزم في المحلى (٣/ ٢١٧): «والجلباب في لغة العرب التي خاطبنا بها رسول الله -صلى الله عليع وسلم- هو ما غطى جميع الجسم لا بعضه» وصححه القرطبي في تفسيره (١٢/ ٣٠٩).ص:881.

وهذا أمر يطلبه الشارع … واعلم أن هذا الجمع بين الحمار والجلباب من المرأة إذا خرجت قد أخلّ به جماهير النساء المسلمات، فإن الواقع منهن إما الجلباب وحده على رؤوسهن أو الخمار، وقد يكون غير سابغ في بعضهن؛ كالذي يسمى اليوم بـ (الإيشارب) بحيث ينكشف منهن ما حرّم الله عليهن أن يظهر من زينة باطنة … أفما آن للنساء الصالحات حيثما كن أن ينتبهن من غفلتهن، ويتقين الله في أنفسهن، ويضعن الجلابيب على خمرهن» (١).

٢ - ألا يكون زينة في نفسه؛ لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} (٢) فإنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها، ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (٣).

قال في فتح البيان (٤)«والتبرج أن تبدي المرأة من زينتها، ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجال» والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة، فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة، وهذا كما ترى بيّن لا يخفى.

ولقد بالغ الإسلام في التحذير من التبرج إلى درجة أنه قرنه بالشرك، والزين، والسرقة، وغيرها من المحرمات، وذلك حين بايع النبي النساء -صلى الله عليه وسلم- على ألّا يفعلن ذلك، فقال عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-: «جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تبايعه على الإسلام، فقال: «أبايعك على ألّا تشركي بالله شيئًا، ولا تسرقي،


(١) جلباب المرأة المسلمة (٨٥ - ٨٦).
(٢) النور: (٣١).
(٣) الأحزاب: (٣٣).
(٤) (٧/ ٢٧٤).ص:882.

ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى» (١).

يقول الألوسي في روح المعاني (٢)«ثم اعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عنها إبداؤها ما يلبسه أكثر مترفات النساء في زماننا فوق ثيابهن، ويسترن به إذا خرجن من بيوتهن، وهو غطاء منسوج من حرير ذي عدة ألوان، وفيه من النقوش الذهبية والفضية ما يبهر العيون، وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم لهن من الخروج بذلك، ومشيهن به بين الأجانب، من قلة الغيرة وقد عمت به البلوى».

٣ - أن يكون صفيقًا لا يشف؛ لأن الستر لا يتحقق إلا به، وأما الشفاف فإنه يزيد المرأة فتنة وزينة، أخرج مسلم في صحيحه في كتاب اللباس والزينة، باب: النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات (٣) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».

قال ابن عبد البر: «أراد النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة» (٤).


(١) تقدم تخريجه ص (٤١٦).
(٢) (٦/ ٥٦).
(٣) (٣/ ١٦٨٠) ٢١٢٨١.
(٤) الاستذكار (٨/ ٣٠٧).ص:883.

وقد عقد ابن حجر الهيثمي في «الزواجر» (١) بابًا خاصًا في لبس المرأة ثوبًا رقيقًا يصف بشرتها، وأنه من الكبائر.

٤ - أن يكون فضفاضًا غير ضيق فيصف شيئًا من جسمها؛ لأن الغرض من الثوب إنما هو رفع الفتنة، ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع، وأما الضيق فإنه وإن ستر لون البشرة، فإنه يصف حجم جسمها أو بعضه، ويصوره في أعين الرجال، وفي ذلك من الفساد، والدعوة إليه مما لا يخفى، أخرج أحمد في المسند (٢)، والبيهقي في السنن (٣)، والمقدسي في المختارة (٤) من حديث أسامة بن زيد قال: «كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال: مالك لم تلبس القبطية؟ قال: كسوتها امرأتي. قال: مرها فلتجعل تحتها غلالة، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها … واللفظ لأحمد.

وحسنه الألباني في جلباب المرأة المسلمة (٥).

وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أسامة أن يأمر زوجته أن تجعل تحت القبطية غلالة -وهي شعار يلبس تحت الثوب- (٦) ليمنع به وَصْفَ بدها، والأمر يفيد الوجوب (٧).ص:884.

(١) (١/ ١٢٧).
(٢) (٥/ ٢٠٥) ٢١٨٣٤.
(٣) (٢/ ٢٣٤) ٣٠٧٨.
(٤) (٤/ ١٤٩) ١٣٦٥.
(٥)
(٦) ينظر: غريب الحديث لابن سلام (٣/ ١٧٩)، النهاية (٤/ ٧) مادة (غ ل ل).
(٧) ورد الألباني على من فسّر القبطية بالثياب الشفافة من وجهين:
الأول: تصريحه في وصف القبطية بكونها «كثيفة».
الثاني: تعليل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «إني أخاف أن تصف حجم عظامها».
وانظر: جلباب المرأة المسلمة (١٣٢).

كتاب حقوق المرأة في ضوء السنة النبوية،ص:885.


Loading...