تحاكم إلى الطاغوت

تحاكم إلى الطاغوت

اللفظ / العبارة' تحاكم إلى الطاغوت
متعلق اللفظ مسائل عقدية.
الحكم الشرعي كفر أكبر
القسم المناهي العملية
Content

[تحاكم إلى الطاغوت]

يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: ' والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو: مجاوزة الحد، فكل من حكم بغير ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو حاكم إلى غير ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه، وذلك أنه من حق كل أحد -أي: من واجبه- أن يكون حاكماً بما جاء به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقط لا بخلافه، كما أن من حق كل أحد أن يحاكم إلى ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن حكم بخلافه أو حاكم إلى خلافه فقد طغى، وجاوز حده حكماً أو تحكيماً، فصار بذلك طاغوتاً لتجاوزه حدَّه'.

وأحياناً يكون طاغوتاً؛ لأنه تجاوز حده وافترى على الله الكذب، وقال: أنا أشرع للناس ما فيه مصلحة لهم، وأضع القوانين لذلك.

وأحياناً قد يتجاوز بالشيء حده وهو ليس بمتجاوز بذاته كما لو اجتهد مجتهد من الأئمة المجتهدين في مسائل وأفتى فيها، فجاء أناس من أتباعه فقدموا كلامه على كلام الله ورسوله فردوا كل شيء اختلفوا فيه إلى كلامه، وقدَّموا كلامه على كلام الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن هؤلاء قد جعلوه طاغوتاً وتجاوزوا به حده، إذ حدَّه أن يكون عبداً صالحاً لله، أو إماماً مجتهداً إن كان كذلك، حتى الملك المقرب جبريل عليه السلام حدَّه أن يكون ملكاً لله، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدَّه أن يكون عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه إلى آخر ما ذكر الله تعالى عنه، وأخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نفسه.

لكن أن يعبد من دون الله، أو أن يُدعى جبريل أو محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو غيرهم، ويستعان بهم، ويصرف لهم شيء من الربوبية أو الألوهية؛ فمن فعل ذلك فقد تجاوز بهم الحد، فإن هذا من الكفر الصريح.

وينبغي أن نفرق بين الطاغوت الحقيقي وبين من يُتخذ أو يُجعل طاغوتاً وليس هو بطاغوت، وإنما جعله طاغوتاً من تجاوز حده الشرعي من الناس.

ومثاله: عيسى عليه السلام، فقد اتُخذ إلهاً من دون الله، فلا يُسمَّى طاغوتاً وحاشاه، وقد قال فيما ذكره الله عنه: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة:١١٧]، ولكن النصارى غلوا فيه وجاوزوا به حده.ص:4.

 [الأدلة على ذلك]

يقول: ' وقد نفى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الإيمان عمن لم يُحكِّموا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما شجر بينهم، نفياً مؤكداً بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:٦٥] '.

أكد سبحانه نفي الإيمان عمن لم يُحكَّموا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما شجر بينهم بأمرين: بتكرار أداة النفي وهي "لا" في قوله: (فلا)، وقوله: (لا يؤمنون)، وبالقسم في قوله: (وربك).

يقول: 'ولم يكتف تعالى وتقدَّس منهم بمجرد التحكيم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم، بقوله جل شأنه: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء:٦٥] والحرج: هو الضيق '.

ولهذا يقال: أرض حرجة، أو مكان حرج، أي: كثير الشجر ملتف شجره.

يقول: 'بل لا بد من اتساع صدورهم لذلك'.

أي: تتسع صدورهم وتنتفخ وتسر بحكم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

'وسلامتها من القلق والاضطراب'.

فلا قلق ولا اضطراب من حكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال: 'ولم يكتف تعالى -أيضاً- هنا بهذين الأمرين -أي: بالتحكيم وعدم الضيق- حتى يضموا إليهما أمراً ثالثاً هو التسليم: وهو كمال الانقياد لحكمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بحيث يتخلون هاهنا من أي تعلق للنفس بهذا الشيء، ويسلموا ذلك إلى الحُكم الحق أتم تسليم، ولهذا أكد ذلك -أي: التسليم- بالمصدر المؤكَّد وهو قوله جل شأنه (تَسْلِيماً) المُبيِّن أنه لا يُكتفى هاهنا بالتسليم بل لا بد من التسليم المطلق '

كتاب دروس للشيخ سفر الحوالي.ص:4.

 

Loading...