عن قرّة بن إياس ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا ننهى أن نصف بين السّواري على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونطرد عنها طرداً (٢) .
وعن عبد الحميد بن محمود قال: صلّيت مع أنس بن مالك يوم الجمعة، فدُفعنا إلى السواري، فتقدّمنا وتأخرنا. فقال أنس: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٣) .
وكان ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يقول: لا تصفوا بين السواري (٤) .
قال الترمذي:((وقد كره قوم من أهل العلم أن يُصَفّ بين السّواري. وبه يقول أحمد وإسحاق ،قلت:وكرهه ابن مسعود - كما مضى - والنخعي، وروي عن حذيفة وابن عباس(١).
والعلّة: قطع الصّف، وعليه: لو كان الصف صغيراً، قدر ما بين الساريتين لم يكره، ولايكره للإِمام أن يقف بين الساريتين.
قال ابن العربي في تعليل النهى:((إما لانقطاع الصف، وهو المراد من التبويب ـ أي تبويب الترمذي بباب ما جاء في كراهية الصف بين السّواري ـ، وإما لأنه موضع جمع النّعال، والأوّل أشبه، لأن الثاني محدث.
ولا خلاف في جوازه عند الضّيق، وأما مع السّعة فهو مكروه للجماعة، وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة بين سواريها (٢)) ) (٣) .
وقال البيهقي معقّباً على أثر ابن مسعود السابق:((وهذا ـ والله أعلم ـ لأن الإسطوانة، تحول بينهم وبين وصل الصف)) (٤) .
وزاد القرطبي في سبب الكراهة أمراً ثالثاً، فقال: روي في سبب كراهة ذلك أنه مصلّى الجنّ للمأمومين (٥)
والأوجه في سبب المنع:قطع الصف، والله أعلم. ولهذا قال الإمام مالك:((لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد))(٦)وعليه:فإن المنبر الطويل ذا الدرجات الكثيرة، الذي يقطع الصف الأول، وتارة الثاني أيضاً، في حكم السارية.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:((وإنما يقطع المنبر الصف إذا كان مخالفاً لمنبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه كان له ثلاث درجات، فلا ينقطع الصف بمثله، لأن الإمام يقف بجانب الدّرجة الدّنيا منها فكان من شؤم مخالفة السنّة في المنبر، الوقوع في النهي الذي في هذا الحديث.
ومثل ذلك في قطع الصف: المدافىء التي توضع في بعض المساجد، وضعاً يترتب منه قطع
الصف، دون أن ينتبه لهذا المحذور إمام المسجد أو أحد من المصلّين فيه، لبعد الناس أوّلاً عن التفقه في الدّين، وثانياً لعدم مبالاتهم بالابتعاد عما نهى عنه الشّارع وكرهه.
وينبغي أن يعلم:أن كل من يسعى إلى وضع منبر طويل، قاطع للصفوف، أو يضع المدفأة التي تقطع الصف، فإنه يخشى أن يلحقه نصيب وافر من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( ... من قطع صفاً قطعه الله)) )).