في بيان حكم التخفيف المخل بالصلاة

في بيان حكم التخفيف المخل بالصلاة

اللفظ / العبارة' في بيان حكم التخفيف المخل بالصلاة
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

وربما احتج بعضهم بالتخفيف الوارد في الأحاديث النبويّة، من مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، إنّ منكم مُنَفِّرِينَ، فأيُّكم أمَّ النّاس فليوجز، فإنّ من ورائه الكّبير والضعيف وذا الحاجة)(٢) أو بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - للتخفيف.

عن أنس - رضي الله عنه - قال: ((ما صلّيتُ وراء إمامٍ قط أخفّ صلاة ولا أتمّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)(٣) .

[١٢/٤٠] والتخفيف الوارد في قوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله، ليس هو التخفيف الذي اعتاده سُرَّاق الصّلاة، والنقَّارون لها، وأن ما وصفه أنس من تخفيف النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته، هو مقرون بوصفه إياها بالتمام، كما تقدم، وهو الذي وصف تطويله ركني الاعتدال، كما في حديث آخر صحيح، قال: حتى كانوا يقولون: قد أوهم (٤) ، ووصف صلاة عمر بن عبد العزيز بأنها تشبه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع أنهم قدروها بعشر تسبيحات (٥) .

والتخفيف الذي أشار إليه أنس، هو تخفيف القيام مع تطويل الركوع والسجود، وهذا بخلاف ما كان يفعله بعض الأمراء الذين أنكر الصحابة صلاتهم من إطالة القيام على ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله غالباً، وتخفيف الركوع والسجود والاعتدالين (٦) .

وأما تخفيف النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عند بكاء الصبي، فلا يعارض ما ثبت عنه من صفة صلاته،

بل قد قال في الحديث نفسه: ((إني أدخل في الصلاة، وأنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز)(١) .

فهذا تخفيف لعارضٍ، وهو من السنّة، كما يخفف صلاة السفر وصلاة الخوف، وكل ما ثبت عنه من التخفيف فهو لعارض، كما ثبت عنه أنه قرأ في السفر في العشاء بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} . وكذلك قراءته في الصبح بالمعوذتين، فإنه كان في سفر (٢) .

وأما حديث معاذ (٣) ؛ فهو الذي فتن النقّارين وسرّاق الصّلاة، لعدم علمهم بالقصّة وسياقها.

فإن معاذاً صلّى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشاء الآخرة، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف بقباء، فقرأ بهم سورة البقرة، هكذا جاء في ((الصحيحين)) من حديث جابر: ((أنه استفتح بهم بسورة البقرة، فانفرد ببعض القوم، وصلّى وحده، فقيل: نافق فلان!! فقال: والله ما نافقتُ، ولآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه فأخبره، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ: أفتّان أنت يا معاذ؟ هلا صليت بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى

} )) (٤) .

وهكذا نقول: أنه يستحب أن يصلي العشاء بهذه السور وأمثالها. فأيُّ متعلّق في هذا للنقّارين وسرّاق الصلاة؟ ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤخر العشاء الآخرة، وبُعْدُ ما بين بني عمرو بن عوف وبين المسجد، ثم طول سورة البقرة، فهذا الذي أنكره النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو موضع الإِنكار، وعليه يحمل الحديث الآخر: ((يا أيها الناس إن منكم منفرين)) ، ومعلوم أن الناس لم يكونوا ينفرون من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا ممن يصلي بقدر صلاته، وإنما ينفرون

ممن يزيد في الطول على صلاته، فهذا الذي ينفر.

وأما إن قدر نفور كثير ممن لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، وكثير من الباطولية الذين يعتادون النقر، كصلاة المنافقين، وليس لهم في الصلاة ذوق، ولا لهم فيها راحة، بل يصلّيها أحدهم استراحة منها لا بها، فهؤلاء لا عبرة بنقورهم، فإن أحدهم يقف بين يدي المخلوق معظم اليوم، ويسعى في خدمته أعظم السعي، فلا يشكو طول ذلك ولا يتبرّم به، فإذا وقف بين يدي ربه في خدمته جزءاً يسيراً من الزّمان، وهو أقلّ القليل بالنسبة إلى وقوفه في خدمة المخلوق، استثقل ذلك

الوقوف، واستطال وشكا منه، وكأنه واقف على الجمر يتلوّى ويتقلّى، ومن كانت هذه كراهته لخدمة ربه، والوقوف بين يديه، فالله تعالى أكره لهذه الخدمة منه (١) .

والحاصل: إن الإيجاز والتخفيف المأمور به، والتطويل المنهي عنه، لا يمكن أن يرجع فيه إلى عادة طائفة وأهل بلد وأهل مذهب، ولا إلى شهوة المأمومين ورضاهم، ولا إلى اجتهاد الأئمة الذين يصلّون بالناس ورأيهم في ذلك، فإن ذلك لا ينضبط، وتضطرب فيه الآراء والإرادات أعظم اضطراب، ويفسد وضع الصّلاة، ويصير مقدارها تبعاً لشهوة الناس.

ومثل هذا لا تأتي به شريعة، بل المرجع في ذلك والتحاكم إلى ما كان يفعله - صلى الله عليه وسلم -، وكان يصلي وراءه الضعيف والكبير والصغير وذو الحاجة، ولم يكن بالمدينة إمام غيره صلوات الله وسلامه عليه.

ففي صلاة الفجر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ما بين الستين إلى المائة في الركعتين، كما ثبت في ((الصحيحين)) (٢) ، فكان يقرأ سورة {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد} (٣) وسورة الواقعة (٤) وسورة الفتح (٥) وسورة المؤمنين (٦) وسورة الطور (٧) وسورة الروم (٨) وسورة {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} (٩) وسورة الصافات (١٠) .

وهذا مقياس صلاة الفجر، وقد اعتبر الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ قراءة سورة (الصافات) من باب التخفيف فيها.

القول المبين في أخطاء المصلين ،ص: 242ـ245.

Loading...