وقد شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل اليمن بالإيمان والفقه (٣)، وأهل اليمن أقل الناس كلامًا وتوسعًا في العلوم (لكن)(*) علمهم علم نافع في قلوبهم، ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إِلَيْهِ من ذلك، وهذا هو الفقه والعلم النافع.
فأفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث، والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثورم عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إِلَى أن ينتهي إِلَى زمن أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم، الذين سميناهم فيما سبق.
فضبط ما رُوي عنهم في ذلك أفضل العِلْم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه، وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه، إلا أن يكون شرحًا لكلام يتعلق من كلامهم.
وأما ما كان مخالفًا لكلامهم فأكثره باطل أو لا منفعة فيه، وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم
(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية (١/ ٣٠٥). (٢) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٧٨٩)، والطبراني (٩/ ٨٥٦٧). (٣) أخرجه البخاري (٤٣٨٨)، ومسلم (٥٢). (*) لأنّ: "نسخة".ص:23.
موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة، ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة ما لا يهتدي إليه من بعدهم ولا يُسلِّم به.