ومن علامات العِلْم النافع: أنَّه يدل صاحبه عَلَى الهرب من الدُّنْيَا، وأعظمها الرياسة والشهرة والمدح، فالتباعد عن ذلك والاجتهاد في مجانبته من علامات العِلْم النافع فإن وقع شيء من ذلك من غير قصد واختيار كان صاحبه في خوف شديد من عاقبته، بحيث أنَّه يخشى أن يكون مكرًا واستدراجًا، كما كان الإمام أحمد يخاف ذلك عَلَى نفسه عند اشتهار اسمه ويُعْدِ صيته.
ومن علامات العِلْم النافع: أن صاحبه لا يدعي العِلْم ولا يفخر به عَلَى أحد، ولا ينسب غيره إِلَى الجهل إلا من خالف السنة وأهلها؛ فإنَّه يتكلم فيه غضبًا لله لا غضبًا لنفسه ولا قصدًا لرفعتها عَلَى أحد.
وأما من علمه غير نافع فليس له شغل سوى التكبر بعلمه عَلَى الناس،ص:31.
وإظهار فضل علمه عليهم ونسبتهم إِلَى الجهل، وتنقصهم ليرتفع بذلك عليهم وهذا من أقبح الخصال وأردئها، وربما نسب من كان قبله من العُلَمَاء إِلَى الجهل والغفلة والسهو، فيوجب له حب نفسه وحب ظهورها، وإحسان ظنه بها وإساءة ظنه بمن سلف.