ليس من السنّة أن يجلس النَّاسُ بعد الصَّلاة لقراءة شيء من الأذكار والأدعية المأثورة ولا غير المأثورة، برفع الصّوت وهيئة الاجتماع، كما اعتادوا في بعض الأقطار. وإن هذه العادة صارت عند النّاس من قبيل شعائر الدّين، التي ينكر على تاركها والنّاهي عنها، وإنكار تركها هو المنكر.
قال صاحب ((السنن والمبتدعات)) : والاستغفار جماعة على صوت واحدٍ بعد التّسليم من الصّلاة بدعة، وقولهم بعد الاستغفار: يا أرحم الراحمين ارحمنا، جماعة أيضاً بدعة، ووصل السنة بالفرض من غير فصل بينهما، منهي عنه، كما في حديث مسلم.
وقراءة الفاتحة زيادة في شرف النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعة، واجتماعهم بعد التسليم من الصبح على ((اللهم أجرني من النار)) سبعاً، بدعة. وزيادتهم بعد ((اللهم أجرني من النار)) : ((ومن عذاب النار، بفضلك يا عزيز يا غفار)) بدعة (١) .
قال الشاطبي:((لم يكن - صلى الله عليه وسلم - يجهر بالدّعاء والذكر على إثر الصلاة دائماً ولا يظهرها للناس في غير مواطن التعليم، إذ لو كانت على الدوام وعلى الإظهار لكانت سنّة، ولم يسع العلماء أن يقولوا فيها بغير السنّة، إذ خاصيته ـ حسبما ذكروه ـ الدّوام والإظهار في مجامع النّاس. ولا يُقال: لو كان دعاؤه عليه الصلاة والسلام سرّاً لم يؤخذ عنه.
لأنا نقول: من كانت عادته الإسرار فلا بد أن يظهر منه، إما بحكم العادة، وإما بقصد التنبيه على التشريع)) (٢) كما ثبت في ((صحيح البخاري)) عن ابن عباس قال: إن رفع الصّوت بالذّكر ـ حين ينصرف النّاسُ من المكتوبة ـ كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -(٣).
قال النووي: حمل الشّافعي هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتاً يسيراً، لأجل تعظيم صفة الذّكر، لا أنهم داوموا على الجهر به، والمختار أن الإمام والمأموم يخفيان الذّكر إلا إن احتيج إلى التعليم (٤) .
وقال ابن بطال: وفي ((العتبية)) عن مالك أن ذلك محدث (٥) .
وقال الشاطبي:((فقد حصل أن الدعاء بهيئة الاجتماع دائماً لم يكن من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما لم يكن قوله ولا إقراره)) (٦) .
[٢/٥٢] وقال ابن القيم: ((وأما الدّعاء بعد السلاّم من الصّلاة مستقبل القبلة أو المأمومين فلم يكن ذلك من هديه - صلى الله عليه وسلم -، أصلاً، ولا روي عنه بإسنادٍ صحيح ولا حسن.
وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر فلم يفعل ذلك هو ولا أحد من خلفائه، ولا أرشد إليه أمته، وإنما هو استحسان رآه مَنْ رآه عوضاً من السنة بعدهما، والله أعلم.
وعامة الأدعية المتعلّقة بالصّلاة، إنما فعلها فيها، وأمر بها فيها، وهذا هو اللائق بحال المصلّي، فإنه مقبل على ربّه يناجيه ما دام في الصّلاة، فإذا سلّم منها انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته، والقرب منه، والإقبال عليه، ثم يسأل إذا انصرف عنه؟!
ولا ريب أن عكس هذا الحال هو
الأولى بالمصلّى)) (١) .
ويكون الاستغفار ـ ثلاثاً ـ والتسبيح والتحميد والتكبير ـ كل منها ثلاث وثلاثون مرّة ـ وختمها بالتهليل، عقب الصّلاة، سراً في أيّ حالة يكون عليها المصلّون بعد الصلاة من قيام وقعود ومشي، وإن الاجتماع لذلك والاشتراك فيه ورفع الصوت بدع، هوّنها على الناس التعوّد، ولو دعاهم أحد إلى مثل هذه الصّفات في عبادة أُخرى ـ كصلاة تحية المسجد مثلاً ـ لأنكروا عليه أشد الإنكار (٢) .
[٣/٥٢] ومن هذا القبيل:
ما أُحدث من الذّكر بعد كلّ تسليمتين من صلاة قيام رمضان، ومن رفع أصواتهم بذلك، والمشي على صوتٍ واحدٍ، فإن ذلك من البدع.