وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا صلّى أحدكم فليصلّ إلى سترة، وليدن منها، ولا يدع أحداً يمرّ بينه وبينها، فإنْ جاء أحدٌ يمرّ فليقاتله، فإنه شيطان)) (٤) .
ولهذا الحديث سبب إيراد، هو: عن أبي صالح قال:رأيت أبا سعيد في يوم الجمعة يصلي إلى شيء، يستره من النّاس، فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه، فدفع أبو سعيد في صدره، فنظر الشابّ فلم يجد مساغاً إلا بين يديه، فعاد ليجتاز، فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد، ثم دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان، فقال:مالك ولا بن أخيك يا أبا سعيد؟ قال:سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكره(١).
في هذين الحديثين: مشروعية ردّ المار بين يدي المصلّي، وقرر الفقهاء: أن الرد يكون بأسهل الوجوه، فإن أبى فبأشدّها، وإن أدى إلى قتله فلا شيء عليه، كالصّائل عليه لأخذ نفسه أو ماله، وقد أباح له الشرع مقاتلته، والمقاتلة المباحة لاضمان فيها (٢) .
وقال القاضي عياض: ((وأجمعوا على أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح، ولا يؤدّي إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك، فلا قود عليه باتفاق العلماء.
وهل يجب ديته أم يكون هدراً؟
فيه مذهبان للعلماء، وهما قولان في مذهب مالك رضي الله عنه.
وكذا اتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليردّه، وإنما يدفعه ويردّه من موقفه، لأن مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره من بعيد بين يديه، وإنما أبيح له قدر ما تناله يده من موقفه، ولهذا أمر بالقرب من سترته، وإنما يرده إذا كان بعيداً منه بالإِشارة والتسبيح.
وكذلك اتفقوا على أنه إذا مر لا يردّه، لئلا يصير مروراً ثانياً، إلا شيئاً روي عن بعض السّلف أنه يرده، وتأوله بعضهم)) (٣) .
وقد بين - صلى الله عليه وسلم - إثم المارّ بين يدي المصلّي، فقال:((لو يعلم المارُّ بين يدي المصلّي، فقال: لو يعلم المارُّبين يدي المصلّي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمُرَّ بين يديه)) .
قال أبو النّضر ـ أحد رواة الحديث ـ: لا أدري أقال أربعين يوماً أو شهراً أو سنة (٤) .
معناه: لو يعلم ما عليه من الإِثم لاختار الوقوف أربعين على ارتكاب ذلك الإِثم، وفيه:
النهي الأكيد، والوعيد الشديد في ذلك (١) .
وقد استعظم الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ومن بعدهم من السلف الصالح إثم المرور بين يدي المصلي، حتى إن بعضهم تمثّل فيه بآيةٍ وردت في عبادة الأصنام!!
عن عبد الله بن بريدة قال: رأى أبي أُناساً يمرّون بعضهم بين يدي بعض في الصّلاة، فقال: ترى أبناء هؤلاء إذا أدركوا يقولون: إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون (٢) .وعن وبرة قال:ما رأيت أحداً أشدّ عليه أن يمرّ بين يديه في الصّلاة من إبراهيم النّخعي وعبد الرحمن بن الأسود(٣).
[١/٥٣] وظاهر الأحاديث المنع من المرور بين يدي المصلّي، سواء اتّخذ سترة أم لا، إذ لم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بين مستتر وغيره، بل قال: بين يدي المصلّي.