قال: 'الشرك الأول -المتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته- نوعان: أحدهما: شرك التعطيل: وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون إذ قال:{وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:٢٣] ' وليس هذا كما يقوله المتنطعون من أهل الكلام: إنه سؤال عن الماهية، أي أخبرني عن ماهيته, وكلام فرعون إنما هو على سبيل إنكار الرب سبحانه، بل زعم أنه هو {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات:٢٤] ولهذا قال: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً}[غافر:٣٦ - ٣٧] وهذا الكلام منه إنما هو على جهة الجحود, وإلا فهو مقر بالله باطناً؛ كما قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً}[النمل:١٤] ولهذا قال له موسى عليه السلام: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}[الإسراء:١٠٢] أي أنك تعلم يا فرعون أن الله تعالى هو الذي أنزل هذه الآيات وهذا الدين ففي الحقيقة أن فرعون يعلم أن الله هو الرب وحده، ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه رب العالمين، لكنها الشهوات والملك والغرور {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}[الملك:٢٠] وكذلك أن أتباعه كانوا لا عقول لهم، فاستخف بهم؛ كما قال الله تعالى:{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}[الزخرف:٥٤] فالأمة الفاسقة المتحللة الضالة التي تميل إلى الإباحية والفساد وإضاعة الأوقات، يستخفها المجرمون الكذابون.
ثم قال: 'والشرك والتعطيل متلازمان, فكل مشرك معطل' التعطيل لغة: هو الإخلاء أو الإفراغ، وشرعاً: هو إنكار صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأسمائه، وكل مشرك معطل, وكل معطل مشرك، وتفسير ذلك أنه لما أشرك بالله عطَّل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, عطل أسماءه وصفاته، وعطله مما هو له من خصائص ذاته وكذلك كل معطل مشرك؛ لأنه لما ترك هذه الخاصية من خصائص الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, فإنه قد أشرك معه غيره، وغالباً ما يجعلون بعض هذه الصفات في غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قال: 'لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل.
بل قد يكون المشرك مقراً بالخالق سبحانه وصفاته ولكنه عطل حق التوحيد' وهذا هو كحال أكثر الناس اليوم يقرون بالإيمان بالله لكنهم مضيعون لحقه.ص:8.
[أقسام التعطيل]
قال: 'وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل, وهو ثلاثة أقسام: القسم الأول: تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه' أي تعطيل الخلق عن الخالق كما في قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور:٣٥] واعجباً لمن يرى المخلوقات أمام عينيه, ثم يقول: لا خالق لها!! فهذا وأمثاله عَطَّلُوُهَا عن خالقها, أي عن الله تبارك وتعالى.
لذلك فالذين يشركون بالله من الشيوعيين أو الملحدين أو الغربيين لا بد أن يجعلوا خالقاً غير الله في الحقيقة، وفي اللفظ يقولون: هذه لا تحتاج إلى خالق، والذي جعلهم يهربون من افتراض وجود خالق أنهم إذا قالوا الله أو الرب فالمقصود به عندهم هو البابا -صاحب الكنيسة- المكون من ثلاثة أقانيم، الذي تجسد في شكل إنسان, وصلب على الصليب, ثم صعد إلى السماء وغير ذلك مما يحكونه, فلا يمكن أن يكون هذا الذي خلق السماوات والأرض، فما كان لهم حلٌ إلا أن يقولوا: إنه ليس لها خالق!! وخاصة إذا كان هذا الرب الذي تذكره الأناجيل المحرَّفة, ويدعيه البابا وأتباعه, الإيمان به مقرون بالعنف وبالقوة وبالسيطرة, فإذا خالف أحدهم أي شيء من كلام رجال الدين, قالوا عنه: كافر وزنديق، حلال الدم والمال, فكان الإلحاد لهم أسهل، فعطلوها عن الخالق ثم افترضوا الطبيعة، ولكن الطبيعة هي المخلوقات، فتوقف بعضهم (كالربوبيون أو المألهون) وبعضهم قال لا أدري، وهم (اللاأدريون)، واليوم لا تجد عالماً في الطبيعة إلا يؤمن بخالق لكن ليس مثلنا فهم (الربوبيون).
ثم قال: 'والثاني: تعطيل الصانع' أو الخالق، وورد الصانع في حديث:{الله خالق كل صانع وصنعته} وفي قوله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}[النمل:٨٨] فيطلق لفظ الصانع على الله, والأفضل أن يقال الخالق، قال: 'تعطيل الخالق عن كماله بتعطيل أسمائه وصفاته' هذا النوع الثاني من أنواع التعطيل، فهؤلاء لا ينكرون وجوده ولا أنه هو الخالق، لكن ينكرون أسماءه وصفاته ويعطلونه منها, كما يقول أهل الكلام: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا أنه يغضب، ولا يرضى، ولا ينزل يقولون: حتى لا نقع في التشبيه فينفون صفات الله ويعطلونها, ويثبتون شيئاً شبيهاً بالعدم أو هو العدم.
'والثالث: تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد' وذلك يكون بالشرك الكلي أو الجزئي.
والكلي: كأن يعبد غير الله سجوداً وصلاةً وصياماً وغير ذلك، والجزئي أن يقع في الرياء مثلاً أو في صرف بعض الأنواع لغير الله في بعض الأحيان، أو في بعض الحالات.
فهذه ثلاثة أقسام من أقسام التعطيل، الأول: إ نكاره، والثاني: إنكار أسمائه وصفاته، والثالث: إنكار عبادته وحقوقه.
قال: 'ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون ما ثم خالق ومخلوق، ويقولون: ما هنا شيئان بل الحق المنزه هو عين الخلق المشبه' كمثل جماعة محمود محمد طه وأمثاله، وهم من غلاة الصوفية الذين يقولون: لا ثمة خالق ولا مخلوق، والخالق عين المخلوق والمخلوق عين الخالق -والعياذ بالله- هؤلاء بلغوا من الكفر إلى حدٍ لا تستسيغه العقول، وقد قابلني أحدهم لكن ليس هنا، بل في بلاد الحرية، وكان المسجد مليء بالناس، فجاء يقول: إنه هو الله -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- قلت: كيف تقول هذا، ألست مسلماً؟ قال: بلى أنا مسلم، وهذا هو حقيقة التوحيد، فالنصارى كفرت لأنها جعلت الآلهة ثلاثة؛ لكن نحن نقول: كل شيء هو الله.
وهذا كما لقنهم شيخهم المخدوع الهالك، فالنصارى كفرت لذلك، وفرعون كفر لأنه قال:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات:٢٤] وكان عليه أن يقول: إنه هو وشعبه كلهم رب، نعوذ بالله من هذا الكفر.
وهذا الكفر هو شر وأقبح أنواع الكفر عند جميع أهل الملل.
كل من يعبد الله ويعرف الله، حتى اليهود يعتبرونهم كفاراً, ويوجد في اليهود بعض الحلولية والاتحادية , والنصارى عندهم الذي يزيد على الثلاثة كافر, وعند البوذيين والهندوس هذه النحلة كافرة، ومع ذلك يدعون أنهم هم أهل التوحيد -والعياذ بالله- وبالطبع فـ الجهمية الذين عطلوا صفات الله وأسمائه -كما ذكرنا- نوع من أنواعهم، هذا النوع الأول: شرك التعطيل.