يسّن التبكير إلى ـ صلاة الجمعة، للحديث الأوّل والثاني السَّابقين. وهو مفاد الحديث الثّالث أيضاً، ففيه:((فصلى ما كتب له، ثم إذا خرج الإِمام أنصت....)) .
وكانت هذه عادة السلف الصالح، وعليه تحمل إطالة ابن عمر الصلاة قبل ، الجمعة، فإنه تطوع مطلق، وهذا هو الأولى لمن جاء الجمعة، أن يشتغل بالصّلاة حتى يخرج الإِمام(١).
وبيّن الحديث الأول: أن البكور للمسجد شرط لحصول ثواب الجمعة التَّام، وهو أن بكل خطوة يمشيها ثواب صيام سنة وقيامها.
وأن البكور يكون بالمشي للجمعة، ولهذا بوّب عليه النسائي والبيهقي وغيرهما:((فضل المشي إلى الجمعة)) . وأن المشي خير من الركوب، خصوصاً لصلاة الجمعة والعيدين.
قال الإمام أحمد كما في ((مسائل ابنه)) : رقم (٤٧٢) : أستحب أن يذهبوا رجالة إلى العيدين والجمعة، وأن المبكر للجمعة يسن له أن يدنو من الإِمام، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:((احضروا الذّكر، وادنوا من الإِمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخّر في الجنة، وإن دخلها)) (٢) .
والبكور للجمعة من عادة السّلف الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ حتى قال أبو شامة: ((وكان يرى في القرن الأول بعد طلوع الفجر، الطرقات مملوءة من الناس، يمشون في السرج، ويزدحمون فيها إلى الجامع، كأيّام العيد، حتى اندرس ، ذلك، فقيل:أوّل بدعة أحدثت في الإسلام، ترك البكور إلى الجامع))(٣).
وقد أنكر الإِمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ التبكير إلى الجمعة في أوّل النّهار،وردّه ابن القيم، وقال: قال الشافعي: ولو بكر إليها بعد الفجر، وقبل طلوع الشمس، كان حسناً.
وذكر الأثرم، قال: قيل لأحمد بن حنبل: كان مالك بن أنس يقول: لا ينبغي التهجير يوم الجمعة باكراً، فقال: هذا خلاف حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (٤) .
فيستحب التبكير إلى صلاة الجمعة أول النهار، فالساعات الواردة في الحديث على هذا، من أول النهار، والمراد بها الساعات الفلكيّة، وعليه: من جاء في آخرها ومن جاء في أوّلها، مشتركان في تحصيل البدنة أو البقرة أو الكبش، ولكن بدنة الأول أكمل مِنْ بدنة مَنْ جاء في آخر
الساعة، وبدنة المتوسط متوسطة، والله أعلم (١) .
وكان السّلف الصالح يعاتبون أنفسهم عند تركهم التبكير أو قصورهم فيه.
دخل ابن مسعود بكرةً، فرأى ثلاثة نفر، قد سبقوه بالبكور، فاغتمّ لذلك، وجعل يقول لنفسه معاتباً إيّاها: رابع أربعة، وما رابع أربعة ببعيدٍ ،فهذا حال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وهو مَن هو، يعاتب نفسه لسبق ثلاثة في التبكير للجمعة إيّاه، فما بالك في كثير من قومنا ـ إلا مَنْ رحم الله تعالى ـ لا يأتون إلا والإمام على المنبر، بل يأتي بعضهم مع الصلاة أو قبيلها بقليل.