في بيان بعض البدع الفعلية التي يأتي بها الخطيب خلال الخطبة.
اللفظ / العبارة'
في بيان بعض البدع الفعلية التي يأتي بها الخطيب خلال الخطبة.
متعلق اللفظ
مسائل عقدية.
الحكم الشرعي
بدعة
القسم
المناهي العملية
Content
ومن أخطاء الخطباء الفعليّة في الخطبة أشياء، فمن ذلك:
* تباطؤهم في الصعود على المنبر (١) .
*الالتفات يميناً وشمالاً، عند قوله: آمركم وأنهاكم، وعند الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع زيادة ارتقاء درجة من المنبر عند ذلك، ثم نزوله عند الفراغ منها، ولا أصل لشيء من ذلك، بل السنّة الإقبال على الناس بوجهه من أوّل الخطبة إلى آخرها (٢) .
قال الإمام الشافعي:((ويقبل ـ يعني الخطيب ـ بوجهه، قصد وجهه، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً)) (٣) .
وقال الحافظ بن حجر: ((ونقل في ((شرح المهذب)) أن الالتفات يميناً وشمالاً مكروه اتّفاقاً))(٤).
وقال الماوردي في ((الحاوي)) : ((ولا يفعل ما يفعله أئمة هذا الوقت من الالتفات يميناً وشمالاً، في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليكون متّبعاً لسنّته، آخذاً بحسن الأدب)) (٥) .
* رفع الخطيب يديه عند الدّعاء.
عن حصين بن عبد الرحمن قال: رأى كمارة بن رؤيبة بِشْرَ بن مروان على المنبر، وهو يدعو في يوم الجمعة رافعاً يديه، فقال: قبَّح الله هاتين اليدين، لقد رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر، ما يزيد على هذه، يعني السّبابة التي تلي الإبهام (٦) .
هذا فيه، أن السنّة أن لا يرفع اليد في الخطبة، وهو قول مالك وأصحاب الشافعي وغيرهم (١) .
وقول عمارة:((قبح الله هاتين اليدين)) أي: اللتين يشير بهما بشر عند الخطبة، ودعا بالتقبيح، لأن هذه الإِشارة، كانت على خلاف السنّة، وما خالف السنّة فهو مردود مقبوح (٢) .
والمقصود في رفع اليدين، الرفع الذي يكون عند الدّعاء ومخاطبة الناس في الخطبة للتنبيه، كما هو عادة الخطباء والوعّاظ، لا الرّفع الذي يكون عند التحريمة (٣) .
قال شيخ الإِسلام: ((ويكره للإمام رفع يديه حال الدّعاء في الخطبة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يشير بأصبعه إذا دعا))(٤).
وقال أبو شامة وتبعه السيوطي في رفع الأئمة أيديهم في الخطبة:((وأما رفع أيديهم عند الدّعاء، فبدعة قديمة)) (٥) .
ونص ابن عابدين على كراهة ذلك، يعني كراهة تحريم (٦) .
ومثّل اللكنوي على بدعة الضّلالة بفعل بشر بن مروان، فقال:((وكذلك: رفع اليدين للدعاء في خطبة الجمعة، فعله بشر بن مروان، وأنكره عليه عمارة)) (٧) .
قال السفاريني الحنبلي:((قال علماؤنا وغيرهم: يكره للإِمام رفع يديه حال الدّعاء في الخطبة. قال المجد: هو بدعة. وفاقاً للمالكية، والشافعية، وغيرهم، ولا بأس أن يشير بأصبعه فيها)) (٨) .
ولهذا لم يستحب كثير من العلماء والمحدثين لمن كان يأمرهم برفع اليدين في خطبة الجمعة، فقد روى أبو زرعة الدمشقي في ((تاريخه)) : (١/٦٠٣ ـ ٦٠٤) رقم (١٧١٢) بسنده الصحيح إلى حبيب بن عبيد قال: إن عبد الملك سأل غضيف بن الحارث الثمالي أن يرفع يديه على المنبر، فقال: أما أنا فلا أُجيبك إليها.
وروى أبو زرعة في ((تاريخه)) برقم (١٧١٣) وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) : (٥/٢٤٤/أـ ب)ومن الجدير بالذكر هنا أمور:
أولاً: إن أول من رفع يديه في الجمعة عبيد الله بن معمر، كما في ((تعجيل المنفعة)) : (٢٧٤) .
ثانياً:إن هذا المنع من رفع اليدين في الدعاء هو في حال الخطبة خاصة، فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء عامة، مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها (١) .
ثالثاً: إن حديث عمارة السابق ليس على إطلاقه، ولكنه مقيد حال الاستسقاء في الخطبة
يوم الجمعة.
أخرج البخاري في ((صحيحه)) : (٢/٤١٣) رقم (٩٣٣) وغيره عن أنس بن مالك قال: ((أصابت النّاسَ سنةٌ على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبينا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطبُ في يوم الجمعة، قام أعرابي فقال: يا رسول الله! هلك المال، وجاع العيال، فادعُ الله لنا.
فرفع يديه ـ وما نرى في السماء قَزَعةً ـ، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السّحابُ أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادرُ على لحيته - صلى الله عليه وسلم -، ... )) .
ومن أخطاء المصلّين في هذا المقام: رفعهم أيديهم تأمبناً على دعاء الإِمام، وذكر ابن عابدين أنهم إذا فعلوا ذلك أثموا على الصحيح (٢) .
وكذلك رفع أيديهم عند جلوس الإِمام بين الخطبتين، عند قوله في آخر الخطبة الأولى: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإِجابة.
ومداومة الخطيب على هذه المقولة أمر غير مشروع، وإن عليها رفع أصوات المأمونين بالذّكر، فهو محرّم.
عن ابن جابر قال: أمر عبد الملك أبا إدريس الخولاني أن يرفع يديه، فأبى.
قال الدردير:((ومن البدع المذمومة: أن يقول الخطيب الجهول، في آخر الخطبة الأولى: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإِجابة، ثم يجلس، فتسمع من الجالسين ضجّة عظيمة)) .
وعلق الصاوي على قوله:((الخطيب الجهول)) بما نصّه: ((الجهول: صيغة مبالغة، لأن جهله مركّب، لزعمه أنه يأمر بالمعروف، وهو يأمر بالمنكر، لأن أصل قراءة الحديث (١) لم يكن مأموراً بها في الخطبة، فهو من البدع، والإِنصات ولو بين الخطبتين واجب، ورفع الأصوات الكثيرة، ولو بالذّكر حرام، فهذا الخطيب، ضلّ في نفسه، وأضلّ غيره)) .
ومن هذا الباب: ضجيج المأمونين، عند انهاء الخطيب خطبته بقوله: اذكروا الله يذكركم، ونحو هذا، كما سبقت الإِشارة إليه.
قال محمد رشيد رضا:((أما رفع اليدين والأصوات بالدّعاء عند جلوس الخطيب بين الخطبتين، فلا نعرف له سنّةً تؤيّدهُ، ولا بأس به، لولا التّشويش وأنّهم جعلوه سنّةً متَّبعةً بغير دليل. والمأثور طلب السكوت للسّماع، ولكن يدعو خفية لا يؤذي غيره بدعائه، ولا يرفع كلّ الناس أيديهم، فيكون ذلك شعاراً من شعار الجمعة بغير هداية من السنّة فيه، بل إنهم يخالفون صريح السنّة إذ يقوم الإمام ويشرع في الخطبة الثّانية وهم مستمرون على دعائهم، فأولى لهم سماعٌ وتدبُّرٌ وقت الخطبة، وفِكْرٌ وتأثّرٌ وقت الاستراحة،