تساهل بعضهم فيها، والقول بسنيّتها، وترك صلاتها في المصلّى.
قال الشوكاني: اعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لازم هذه الصّلاة في العيدين، ولم يتركها في عيدٍ من الأعياد، وأمر الناس بالخروج إليها، حتى أمر بخروج النّساء العواتق وذوات الخدور والحيَّض. وأمر الحيَّض أن يعتزلن الصّلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، حتى أمر مَنْ لا جلباب لها أن تلبسها صاحبتُها من جلبابها، وهذا كله يدلّ على أن هذه الصَّلاة واجبةٌ وجوباً مؤكّداً على الأعيان لا على الكفاية (٤) .
قلت: يشير الشوكاني ـ رحمه الله تعالى ـ إلى حديث أم عطيّة ـ رضي الله عنها ـ قالت: أمرنا رسول صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيَّض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصّلاة. وفي لفظ: المصلّى، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين.
قلت: يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب! قال:لتلبسها أختها من جلبابها(١).
والأمر بالخروج يستلزم الأمر بالصّلاة لمن لا عذر له، بفحوى الخطاب، لأنّ الخروج وسيلة إليها، ووجوب الوسيلة يستلزم وجوب المتوسل إليه، والرّجال أولى من النّساء بذلك (٢) .
ومن الأدلة على وجوب صلاة العيدين: أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عندما اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد:((اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون)) (٣) .
ومن المعلوم: أن ما ليس بواجب لا يُسْقِطُ ما كان واجباً، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لازمها جماعة منذ شُرِعت إلى أن مات، وانضمّ إلى هذه الملازمة الدّائمة أمره للناس بان يخرجوا إلى الصّلاة (٤) .
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. قال رحمه الله تعالى: ((رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان، كقول أبي حنيفة (٥)وغيره، وهو أحد أقوال الشّافعي، وأحد القولين في مذهب أحمد.
وقول مَنْ قال: لا تجب، في غاية البُعْدِ، فإنها من أعظم شعائر الإسلام، والنّاس يجتمعونَ لها أعظم من الجمعة، وقد شُرع فيها التكبير، وقولُ مَنْ قال: هي فرضٌ على الكفاية، لا ينضبط)) (٦) .
ومن المفيد هنا أن نقف على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطيّة السابق الذي فيه خروج النساء حتى الحيّض والعواتْق (١) منهنّ لـ ((يشهدن الخير ودعوة المسلمين)) مستفيدين حُكْمَين فقهيين:
الأول: مشروعيّة خروّج النّساء لصلاة العيدين.
هذا ونحن نحضّ النّساء على حضور جماعة المسلمين تحقيقاً لأمر سيّد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فلا يفوتنا أن نلفت نظرهن ونظر المسؤولين عنهن إلى وجوب تقيّدهن بالحجاب الشّرعي.
وقد يستغرب البعض القول بمشروعية خروج النّساء إلى المصلّى لصلاة العيدين، فليعلم: أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، لكثرة الأحاديث الواردة.
في ذلك، وحسبنا الآن حديث أم عطيّة المتقدّم، فإنه ليس دليلاً على المشروعية فقط، بل وعلى وجوب ذلك عليهن لأمره صلى الله عليه وسلم به، والأصل في الأمر الوجوب، ويؤيّده: ما روى ابن أبي شيبة عن أبي بكر الصّديق قال:حق على كلّ ذات نطاق(٢)الخروج إلى العيدين(٣).
وقد ادّعى بعضهم النسخ في حديث أم عطيّة، قال الطحاوي: وأمره عليه الصّلاة والسلام بخروج الحيض وذوات الخدور إلى العيد، يحتمل أن يكون في أوّل الإسلام، والمسلمون قليل، فأريد التّكثير بحضورهنّ إرهاباً للعدو، وأما اليوم فلا يحتاج إلى ذلك!!
وتعقب بأن النسخ لا يثيب بالاحتمال. قال الكرماني: تاريخ الوقت لا يعرف. وتعقب بدلالة حديث ابن عباس: أنه شهده وهو صغير، وكان ذلك بعد فتح مكة، فلم يتم مراد الطحاوي، وقد صرح في حديث أم عطيّة بعليّة الحكم، وهو:((شهودهن الخير ودعوة المسلمين)) ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته، وقد أفتت به أم عطيّة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عن أحدٍ من الصّحابة مخالفتها في ذلك.
وفي قول الطحاوي:((إرهاباً للعدو)) نظر، لأن الاستنصار بالنّساء، والتكثر بهن في الحرب، دال على الضّعف (٤) .
وبهذه المناسبة أُذكّر بأن صلاة النساء في المساجد سنّة ثابتة متّبعة، لم يختلف في
صحتها أحدٌ من المسلمين، وإطلاق حكم الحرمة عليها ـ كما سمعتُه غير مرة من غير واحد من العوامِ ـ جهلٌ فاضح، نعم، ورد أن صلاة النّساء في بيوتهن أفضل من صلاتهنّ في المسجد، وإنْ
عُلِمَ أن خروجهن إلى المسجد، يكون سبباً للفتنة، جاز أو وجب منع مَنْ يعلم أو يظن الافتتان بهنّ فقط، مع إزالة سبب الفتنة، ولكن لا يصح أن يُقال: أن خروجهن إلى المسجد، وصلاتهن فيه، محرّمة عليهن، ولا أن يجعل حكماً عاماً مطلقاً .