أُم الأفراح

أُم الأفراح

اللفظ / العبارة' أُم الأفراح
متعلق اللفظ مسائل لغوية
الحكم الشرعي لا يجوز
القسم المناهي اللفظية
Content

تلقيب الخمرة بذلك.

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:

(الفصل التاسع عشر: في الأسباب التي تسهِّل على النفوس الجاهلية قبُوْل التأويل مع مخالفته [للبيان] الذي علمه الله الإنسان وفطره على قبوله:

التأويل يجري مجرى مخالفة الطبيعة الإنسانية والفطرة التي فطر عليها العبد، فإنه رد الفهم من جريانه مع الأمر المعتاد المألوف إلى الأمر الذي لم يعهد ولم يؤلف، وما كان هذا سبيله فإن الطباع السليمة لا تتقاضاه بل تنفر منه وتأباه، فلذلك وضع له أربابه أُصولاً، ومهدوا له أسباباً تدعو إلى قبوله وهي أنواع:

فصل: السبب الأول: أن يأتي به صاحبه مموهاً مزخرف الألفاظ ملفق المعاني مكسواً حُلَّة الفصاحة والعبارة الرشيقة، فتسرع العقول الضعيفة إلى قبوله واستحسانه وتبادر إلى اعتقاده وتقليده، ويكون حاله في ذلك حال من يعرض سلعة مموهة مغشوشة على من لا بصيرة له بباطنها وحقيقتها، فيحسنها في عينه ويحببها إلى نفسه، وهذا الذي يعتمده كل من أراد ترويج باطل فإنه لا يتم له ذلك إلا بتمويهه وزخرفته وإلقائه إلى جاهل بحقيقته.

قال: (الله) تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام:١١٢] .

فذكر سبحانه أنهم يستعينون على مخالفة أمر الأنبياء بما يزخرفه بعضهم لبعض من القول فيغتر به الأغمار وضعفاء العقول، فذكر السبب الفاعل والقابل ثم ذكر [سبحانه] انفعال هذه النفوس الجاهلة به بصغوها وميلها إليه ورضاها به؛ لما كسي من الزخرف الذي يغر السامع، فلما أصغت إليه ورضيته اقترفت ما تدعو إليه من الباطل قولاً وعملاً، فتأمل هذه الآيات وما تحتها من هذا المعنى العظيم القدر الذي فيه بيان أُصول الباطل والتنبيه على مواقع الحذر منها وعدم الاغترار بها، وإذا تأملت مقالات أهل الباطل رأيتهم قد كسوها من العبارات وتخيروا لها من الألفاظ الرائقة ما يسرع إلى قبوله كل من ليس له بصيرة نافذة - وأكثر الخلق كذلك - حتى إن الفجار ليسمون أعظم أنواع الفجور بأسماء لا ينبو عنها السمع ويميل إليها الطبع فيسمون أُم الخبائث: أُم الأفراح، ويسمون اللقمة الملعونة: لقيمة الذكر والفكر التي تثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن، ويسمون مجالس الفجور والفسوق: مجالس الطيبة، حتى إن بعضهم لما عذل عن شيء من ذلك قال لعاذله: ترك المعاصي والتخوف منها إساءة ظن برحمة الله وجرأة على سعة عفوه ومغفرته. فانظر ماذا تفعل هذه الكلمة في قلب ممتلئ بالشهوات ضعيف العلم والبصيرة؟

فصل: السبب الثاني: أن يخرج المعنى الذي يريد إبطاله بالتأويل في صورة مستهجنة تنفر عنها القلوب وتنبو عنها الأسماء، فيتخير له من الألفاظ أكرهها وأبعدها وصولاً إلى القلوب وأشدها نفرة عنها فيتوهم السامع أن معناها هو الذي دلت عليه تلك الألفاظ فيسمى التدين: ثقالة، وعدم الانبساط إلى السفهاء والفساق والبطَّالين: سوء خلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب لله والحميّة لدينه: فتنة وشراً وفضولاً، فكذلك أهل البدع والضلال من جميع الطوائف هذا معظم ما ينفرون به عن الحق ويدعون به إلى الباطل، فيسمون إثبات صفات الكمال لله: تجسيماً وتشبيهاً وتمثيلاً، ويسمون إثبات الوجه واليدين له: تركيباً، ويسمون إثبات استوائه على عرشه وعلوه على خلقه فوق سمواته: تحيزاً وتجسيماً، ويسمون العرش: حيزاً وجهة، ويسمون الصفات: أعراضاً، والأفعال: حوادث، والوجه واليدين: أبعاضاً، والحكم والغايات التي يفعل لأجلها: أغراضاً، فلما وضعوا لهذه المعاني الصحيحة الثابتة تلك الألفاظ المستنكرة الشنيعة تم لهم من نفيها وتعطيلها ما أرادوا، فقالوا للأغمار والأغفال: اعلموا أن ربكم منزه عن الأعراض، والأغراض، والأبعاض، والجهات، والتركيب، والتجسيم والتشبيه، فلم يشك أحد لله في قلبه وقار وعظمة في تنزيه الربّ تعالى عن ذلك، وقد اصطلحوا على تسمية سمعه وبصره وعلمه وقدرته وإرادته وحياته: أعراضاً، وعلى تسمية وجهه الكريم ويديه المبسوطتين: أبعاضاً، وعلى تسمية استوائه على عرشه وعلوه على خلقه وأنه فوق عباده: تحيزاً، وعلى تسمية نزوله إلى سماء الدنيا وتكلمه بقدرته ومشيئته إذا شاء، وغضبه بعد رضاه ورضاه بعد غضبه: حوادث، وعلى تسمية الغاية التي يفعل ويتكلم لأجلها: غرضاً، واستقر ذلك في قلوب المتلقين عنهم، فلما صرحوا لهم بنفي ذلك بقي السامع متحيراً أعظم حيْرة بين نفي هذه الحقائق التي أثبتها الله لنفسه، وأثبتها

له جميع رسله وسلف الأُمة بعدهم، وبين إثباتها، وقد قام معه شاهد نفيها بما تلقاه عنهم؛ فمن الناس من فر إلى التخييل، ومنهم من فر إلى التعطيل، ومنهم من فر إلى التجهيل، ومنهم من فر إلى التمثيل، ومنهم من فر إلى الله ورسوله وكشف زيف هذه الألفاظ وبين زخرفها وزغلها وأنها ألفاظ مموهة بمنزلة طعام طيب الرائحة إنا حسن اللون والشكل، ولكن الطعام مسموم، فقالوا ما قاله إمام أهل السنة -باتفاق أهل السنة - أحمد بن حنبل: ((لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين)) .

ولما أراد المتأولون المعطلون تمام هذا الغرض اخترعوا لأهل السنة الألقاب القبيحة فسموهم: حشوية، ونوابت، ونواصب، ومجبرة، ومجسمة، ومشبهة، ونحو ذلك، فتولد من تسميتهم لصفات الربّ تعالى وأفعاله ووجهه ويديه وحكمته بتلك الأسماء، وتلقيب من أثبتها له بهذه الألقاب: لعنة أهل الإثبات والسنة وتبديعهم وتضليلهم وتكفيرهم وعقوبتهم ولقوا منهم ما لقي الأنبياء وأتباعهم من أعدائهم، وهذا الأمر لا يزال في الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها) انتهى.

معجم المناهي اللفظية ،ص: 143 إلى 146.

Loading...