س: الأخ خ. م. س. يسأل ويقول: ما حكم الإسلام فيمن يشهد: أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصوم ويصلي، ولكنه يقرب الذبائح لغير الله، ويحلف بغير الله، ويشد الرحال إلى قبور الصالحين، ويدعوهم ويستغيث بهم، المطلوب بيان هوية من يفعل ذلك، هل هو مسلم، وهل صلاته صحيحة، أم غير ذلك؟ جزاكم الله خيرا. (١)
ج: هذه مسألة قد وقع فيها جمع غفير ممن ينتسب إلى الإسلام، جهلا منهم وتقليدا لآبائهم وأسلافهم، فالذي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصلي ويصوم، ولكنه مع ذلك يتقرب إلى أصحاب القبور بالذبائح ويستغيث بهم وينذر لهم، أو إلى الجن، أو إلى الأصنام، هذا مشرك وصلاته باطلة، وشهادته باطلة؛ لأنه نقضها بأفعاله الشركية، مثل المنافقين الذين يصلون مع الناس ويصومون ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولكن يقولون: محمد ما هو بصادق في باطنهم، وينكرون البعث والنشور في الباطن، هؤلاء في الدرك الأسفل من النار، كما قال الله جل وعلا:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}(٢)، وقال عنهم سبحانه:
(١) السؤال السابع عشر من الشريط، رقم ٢٣٥. (٢) سورة النساء الآية ١٤٥.
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}(١){مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ}(٢)لا مع المسلمين ولا مع الكفار.
فسماهم كفرة ولم يقبل منهم أعمالهم مع أنهم يصلون، لماذا؟ لأنهم في الداخل والباطن قد كذبوا الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنكروا البعث والنشور، فلهذا صاروا كفارا لاعتقادهم الباطل، فلا ينفعهم صلواتهم وشهاداتهم الظاهرة؛ لأن باطنهم يخالف ذلك.
فهكذا الذي يتقرب للقبور بالذبائح والنذور ويستغيث بهم ويذبح لهم هذا ليس بمسلم، يكون كافرا، وإن صلى وصام، وإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، عند أهل العلم، عند جميع أهل السنة والجماعة، ليس في هذا خلاف بحمد الله؛ لأن نواقض الإسلام متى وجد منها ناقض بطلت أعمال العبد، ومن ذلك مما يبين هذا الأمر: لو أن إنسانا يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصلي ويصوم، ولكنه يسب الله ويلعن الله ويلعن الرسول، هذا كافر
(١) سورة النساء الآية ١٤٢ (٢) سورة النساء الآية ١٤٣ (٣) سورة التوبة الآية ٥٤.ص:32.
عند جميع العلماء ولو شهد، لو لعن الله أو لعن الرسول كفر بإجماع المسلمين. أو قال: إن الرسول بخيل، ذمه، قال: بخيل، أو قال: جبان، كفر عند جميع العلماء ولو شهد أن محمدا رسول الله، وهكذا لو سب الله كفر إجماعا، أو قال كما قالت اليهود: إن الله بخيل، كفر إجماعا، أو قال: يداه مغلولتان كفر بإجماع المسلمين، لو صلى وصام، أو قال: في باطن الأمر إنه ما هناك جنة ولا نار، هذا كذب، كما يقول المنافقون، كفر بالإجماع، ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، هذه مسألة مهمة عظيمة.
وهكذا لو أن إنسانا يصلي ويصوم ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقول: إن الزنى حلال، ليس فيه حرج أن الإنسان يزني، أو لا حرج أنه يشرب الخمر، أو لا حرج أنه يعق والديه، لا بأس لا حرج، صار كافرا بإجماع المسلمين، فينبغي للعاقل أن ينتبه لهذا، وهكذا كل مسلم ومسلمة، فيجب الانتباه لهذا الأمر، والتقرب للقبور بالذبائح والنذور والاستغاثة بأهل القبور شرك أكبر، كما يفعله بعض الناس عند قبر ابن علوان في اليمن أو عند العيدروس في اليمن، أو عند ابن عربي في الشام، أو عند الشيخ عبد القادر الجيلاني في العراق، أو عند قبر أبي حنيفة في العراق، أو يفعله مع البدوي في مصر، أو مع الحسين في مصر، أو مع غيرهم، كل هذا كفر وشرك أكبر، فالذي يستغيث بهؤلاء وينذر لهم ويذبح لهم ويسألهم الغوث والنصر والشفاء كافر عند جميع أهل السنة والجماعة، ولا تنفعه صلاته.ص:33.
ولا صومه ولا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، كالمنافقين الذين يقولونها وهم يسبون الرسول ويكذبون الله في الباطن.
هذه المسائل عظيمة يجب التنبه لها من جميع المسلمين، ويجب على العلماء في أي قطر وفي أي مكان أن ينبهوا الناس على هذا الأمر، حتى يتبصر المسلمون وحتى يتبصر عباد القبور وغيرهم، وحتى يكونوا على بينة، وحتى يقلعوا من هذا العمل السيئ وحتى يتوبوا إلى الله من ذلك، هذا هو واجب العلماء أينما كانوا، في هذه المملكة وفي الشام، وفي مصر، وفي إفريقيا وفي العراق وفي كل مكان يجب على علماء الشريعة علماء السنة أن يبينوا للناس أحكام هذه الأمور، وأن يرشدوهم إلى توحيد الله والإخلاص له؛ كما قال سبحانه:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}(١)، وقال سبحانه:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(٢)، وقال عز وجل:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}(٣)، وقال عن الكفار من قريش وغيرهم:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}(٤) جعل طلبهم الشفاعة من آلهتهم كفرا وشركا أكبر، فكيف بالذي يذبح لهم وينذر لهم ويستغيث بهم؟ أعظم وأعظم.
فالواجب على جميع المسلمين وعلى جميع من وقع في هذه الأمور
(١) سورة الإسراء الآية ٢٣ (٢) سورة الفاتحة الآية ٥ (٣) سورة البينة الآية ٥ (٤) سورة يونس الآية ١٨.ص:34.
ويقول لابن عباس: «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله (١)»؛ فالعبادة حق الله وحده، هو الذي يستعان به ويستغاث به، أما المخلوق إذا كان حيا فلا بأس أن يستعان فيما يقدر عليه الحي الحاضر تقول له: أعني على إصلاح سيارتي، لا بأس، أعني على تعمير بيتي لا بأس، حاضر يسمع كلامك ويعينك، أما سؤال الأموات والاستغاثة بالأموات، أو بالأحجار، أو بالأصنام، أو بالأشجار أو بالجن فهذا كفر أكبر وشرك أعظم، نسأل الله العافية.
(١) أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق، باب منه، برقم ٢٥١٦.