س: يقول أحد الأشخاص: الذي يتوجه بالدعاء إلى الله عند قبور الصالحين فهذا هو التوسل بالأولياء والصالحين والتوسل جائز شرعا، وهو يطلب من الله متوسلا إليه بهذا الولي عسى أن يكون هذا الدعاء أو دعاء السائل مقبولا، وليس في ذلك ما يتنافى مع العقيدة، لا فرق في ذلك بين الحي والميت، والدليل على ذلك بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاءه أعمى فقال له: يا رسول الله اطلب من الله أن يرد علي بصري فقال له: اذهب فتوضأ وصل لله ركعتين ثم قل: اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا سيدي يا رسول الله توسلنا بك إلى ربي ليرد علي بصري، فرد الله عليه بصره، ويقول أيضا: بأنه يجوز الاستعانة بالأحياء والأموات؛ لأن السائل يسأل الله ببركة هذا الصالح من نبي أو ولي وليس طالبا من ذات الشخص أن تفعل شيئا، نرجو من سماحتكم الإفادة عن هذا الموضوع؟ (١)
ج: هذا السؤال جدير بالعناية وفيه تفصيل: فالحي الحاضر لا بأس أن يسال بأن يشفع للسائل، كما كان الصحابة يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع لهم إذا أجدبوا ويستغيث لهم، وكما سأله الأعمى، فأمره أن
(١) السؤال السابع والعشرون من الشريط، رقم ٣٨١.
يسأل ربه أن يقبل شفاعة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأمره أن يتوضأ ويسأل ربه، هذا لا بأس به سؤال الأحياء أن يشفعوا لك فتقول: يا أخي ادع الله لي، اسأل الله لي، اشفع لي أن الله يشفيني، اشفع لي أن الله يرزقني، أن الله يمنحني زوجة صالحة وذرية طيبة لا بأس، تقول لأخيك هو يدعو ربه، يرفع يديه ويدعو ربه: اللهم اشف فلانا، اللهم يسر أمره، اللهم ارزقه الزوجة الصالحة، اللهم ارزقه الذرية الطيبة، لا بأس، كما كان الصحابة يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكما كان الصحابة أيضا فيما بينهم، كل هذا لا بأس به، «والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: إنه يقدم عليكم رجل بر بأمه يقال له: أويس القرني، كان برا بأمه، فمن لقيه منكم فليطلب منه أن يستغفر له، (١)» فهذا شيء لا بأس به، أما سؤال الأموات والاستغاثة بالأموات، والنذر للأموات، فهذا شرك أكبر، هذا عمل الجاهلية، عمل قريش في جاهليتها، وعمل غيرهم من الكفرة، سؤال الأموات وأصحاب القبور والاستغاثة بهم والاستعانة بهم هذا الشرك الأكبر، هذا عبادة غير الله، التي قال فيها جل وعلا:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}(٢)، وقال سبحانه:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}(٣) ومن دعا الأنبياء أو دعا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو استغاث بالصديق أو بعمر أو بعثمان أو بعلي أو بغيرهم فقد اتخذهم
(١) مسلم فضائل الصحابة (٢٥٤٢)، أحمد (١/ ٣٩). (٢) سورة الجن الآية ١٨ (٣) سورة المؤمنون الآية ١١٧.ص:151.
آلهة، جعلهم آلهة مع الله، قال الله جل وعلا:{إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}(١)، سماه شركا، وقال جل وعلا:{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}(٢)، فأخبر سبحانه أنه لا أضل من هؤلاء دعاة غير الله.
المقصود أن الواجب على المؤمن أن يحذر دعاء الأموات أو الغائبين كالملائكة والجن، يدعوهم يسأل جبرائيل أو إسرافيل، أو جن البلاد الفلانية، أو جن الجبل الفلاني، هذا شرك أكبر، قال جل وعلا:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}(٣){قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}(٤)، قال جل وعلا في سورة الجن:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}(٥).
فالواجب الحذر فلا يسأل الأموات ولا الغائبين من الملائكة ولا غيرهم، ولا يسألون الأصنام ولا الجمادات من الأشجار والأحجار والنجوم، بل يسأل الله وحده، يسأل الله، يستعين بالله، يستغيث بالله، قال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}(٦)، وقال سبحانه:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(٧)، وقال جل وعلا:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}(٨)
(١) سورة فاطر الآية ١٤ (٢) سورة الأحقاف الآية ٦ (٣) سورة سبأ الآية ٤٠ (٤) سورة سبأ الآية ٤١ (٥) سورة الجن الآية ٦ (٦) سورة الإسراء الآية ٢٣ (٧) سورة غافر الآية ٦٠ (٨) سورة البينة الآية ٥.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله (٨)»؛ وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله من ذبح لغير الله (٩)».
فهذه أمور عظيمة خطيرة، والجلوس عند القبور، يدعو ربه عند القبور، هذه وسيلة للشرك، كونه يجلس عنده يقرأ أو يدعو هذه وسيلة ما يجوز من وسائل الشرك، فلو جعلهم آلهة مع الله، وهذا هو الشرك الأكبر، وهكذا إذا أتى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوه، يستغيث به، هذا من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر، الواجب على السائل وعلى غير السائل الحذر من هذه الشركيات، وعدم الالتفات إلى دعاة الشرك من علماء السوء، وقادة السوء، نسأل الله العافية والسلامة.
(١) سورة البقرة الآية ١٨٦ (٢) سورة الأنعام الآية ١٦٢ (٣) (ونسكي)، يعني: ذبحي. (٤) سورة الأنعام الآية ١٦٢ (٥) سورة الأنعام الآية ١٦٣ (٦) سورة الكوثر الآية ١ (٧) سورة الكوثر الآية ٢ (٨) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس، برقم ٢٦٦٤، والترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق، باب: منه، برقم ٢٥١٦. (٩) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم ١٩٧٨، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم ٤٤٢٢، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم ٨٥٧.