س: يوجد عندنا قبور يقال: إنها قبور بعض الصالحين، ويقوم بعض الناس بزيارتها، لكي تبعد عنهم الشر، وتجلب لهم الخير وتشفي مرضهم بزعمهم؛ لأنهم يقولون: إن هذا الصالح له شأن في هذا الشيء، وعن نهاية زيارتهم يضعون بعض النقود على هذا القبر ما حكم عملهم هذا؟ (١)
ج: الحمد لله وبعد: فإن الله شرع لعباده زيارة القبور للذكرى والاستغفار للميتين والدعاء لهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (٢)»، ويقول لأصحابه عليه الصلاة والسلام، وكان يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (٣)»، ويقول عليه الصلاة والسلام إذا زار البقيع: «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (٤)»، ويقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون (٥)»، ثم يقول:«اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد»، هذه السنة أن يدعى لهم عند الزيارة ويترحم عليهم؛ لأنهم في حاجة إلى الدعاء، أما زيارتهم لطلب الشفاء للمرضى، أو لطلب المدد والنصر على الأعداء
(١) السؤال الأول من الشريط، رقم ٢٧٧. (٢) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم ١٥٦٩. (٣) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم ٩٧٥. (٤) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم ٩٧٤. (٥) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم ٩٧٤.ص:270.
أو ما أشبه ذلك فهذا من الشرك الأكبر هذا كفر بالله هذا لا يجوز، هذه حال عباد الأوثان يعبدون الموتى والأصنام والأشجار والأحجار والكواكب ويسألونهم قضاء الحاجات وتفريج الكروب، وشفاء المرضى ويسألونهم المدد لكل ما يعينهم، هذا كله من الشرك الأكبر.
فالواجب الحذر من هذا العمل السيئ، قبور الصالحين تزار للدعاء لهم، والترحم عليهم لا للدعاء من دون الله، ولا فرق بين العيدروس ولا ابن علوان، وغيرهما، جميع القبور حتى قبور الأنبياء، حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر الصديق وعمر وأهل البقيع، كلهم لا يدعون مع الله، لا يستغاث بهم، ولا ينذر لهم، حتى النبي صلى الله عليه وسلم يقول الزائر له: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمتك أفضل الجزاء وأحسنه، ولا يدعى من دون الله، ولا يقال له: المدد، ولا اشف مرضانا ولا انصرنا، هذا شرك أكبر، وهكذا عند الصديق، وهكذا عند عمر، وهكذا عند عثمان وهكذا عند علي، وهكذا عند قبور آل البيت جميعا، لا يدعون مع الله، لا يقال: انصرونا أو اشفوا مرضانا، أو أنتم تعلمون حاجاتنا، هذا كله من الكفر الأكبر، والغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}(١)، هو الذي يعلم الغيب جل وعلا ولما سقط عقد لعائشة في بعض الأسفار أناخ النبي عليه الصلاة والسلام وطلب العقد، وأرسل
(١) سورة النمل الآية ٦٥.
من يطلبه ويلتمسه، ولم يعرف أين مكانه عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وأفضلهم، فلما أقام البعير الذي عليه عائشة وجدوه تحته، فلو كان يعلم الغيب لقال: انظروه تحت البعير، ولم يحتج إلى من يطلبه، ولما قذف المنافقون عائشة، وبعض الناس قلدهم وقذفها، لم يعلم الحقيقة، وتوقف حتى جاءه الوحي بسلامتها وبراءتها، رضي الله عنها وأرضاها؛ فالغيب لا يعلمه إلا الله، لا يعلمه نبي ولا ملك ولا غيرهما، إلا من علم الله عباده مثل ما أوحى الله إلى أنبيائه، وعلمهم إياه، هكذا لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم وهم أنبياء، قال الله تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}(١) هذا عام، نكرة في سياق النهي يعم الأنبياء وغيرهم، قال سبحانه:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}(٢)، فسمى دعاة غير الله كفرة، دعاة الأموات والأنبياء والأشجار والأصنام ونحو ذلك. قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ}(٣)، يعني المشركين، المقصود تحذيره صلى الله عليه وسلم وتحذير الأمة، هو صلى الله عليه وسلم لا يشرك، بل عصمه الله من هذا، لكن المقصود تحذير الأمة، وبيان أن هذا الأمر خطير، وأنه لا يجوز لأحد أن يفعله وهكذا، وقوله
(١) سورة الجن الآية ١٨ (٢) سورة المؤمنون الآية ١١٧ (٣) سورة يونس الآية ١٠٦.
سبحانه:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(١)، أوحى الله إليه هذا الأمر ليعلم الناس أن الشرك محرم وأنه أعظم الذنوب وأنه محرم على الأنبياء وعلى غيرهم، وقال سبحانه:{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}(٢){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}(٣) سبحانه وتعالى فجعل دعاء غير الله كائنا من كان من الشرك وأخبر أن المدعوين لا يسمعون دعاء الداعين وأنهم لو سمعوا ما استجابوا.
فالواجب الحذر من هذا الشرك الوخيم، وتحذير الناس من ذلك، والواجب على العلماء في كل مكان أن يبينوا للناس هذا الأمر العظيم، وأن يحذروهم من التعلق على القبور، والتعلق على الأموات والاستغاثة بهم، والنذر لهم وطلبهم المدد والعون، كل هذا من المحرمات الشنيعة، بل من الشرك الأكبر؛ وإذا كان هذا لا يجوز مع النبي ولا مع الخلفاء الراشدين فكيف يجوز مع العيدروس، أو مع ابن علوان أو مع الشيخ عبد القادر، أو مع علي أو مع الحسن أو فاطمة أو غيرهم، لا يجوز أبدا مع أحد، العبادة حق الله وحده، قال سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(٤)
(١) سورة الزمر الآية ٦٥ (٢) سورة فاطر الآية ١٣ (٣) سورة فاطر الآية ١٤ (٤) سورة الذاريات الآية ٥٦.ص:274.
وقال:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(١) وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}(٢) وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(٣)؛ فهو المعبود بالحق، وهو المستعان جل وعلا فلا يدعى مع الله أحد، لا ملك ولا نبي ولا صنم ولا شجر ولا حجر ولا ميت، فالعبادة حق الله وحده سبحانه وتعالى، قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}(٤)، وقال سبحانه:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}(٥)، وقال جل وعلا:{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(٦)، أما الحي فلا بأس يقال له: يا عبد الله أعني على كذا، الحي الحاضر، أعني على إصلاح سيارتي، أقرضني كذا وكذا، حي يسمعك ويقدر، تقول له: أعني على تعمير بيتي، أعني على إمساك دابتي، هذا لا بأس به، كما قال الله في قصة موسى عليه السلام:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}(٧)؛ لأنه حي قادر، أما الأموات فلا يدعون مع الله وهكذا الأصنام، وهكذا الأشجار، والأحجار، وهكذا النجوم، كل ذلك من الشرك الأكبر، نسأل الله العافية.