س: كثيرا ما نتحاور أنا ورفاقي عن نزول عيسى عليه السلام، فأرجو أن تزودونا بمعلومات، إذا كان يوجد أي دلالة أو إشارة في القرآن الكريم، أو السنة النبوية الشريفة إلى هذا المعنى، ويقال بأن هناك حديثا شريفا بهذا الخصوص، فهل هذا صحيح؟ وفقكم الله وبارك فيكم (١).
ج: قد تواترت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام للإخبار عن نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، ينزل في آخر
(١) السؤال الأول من الشريط رقم ٤١.ص:276.
الزمان في دمشق، وأنه يتوجه إلى فلسطين بعد نزول الدجال، وأنه يقتله هناك في باب اللد والمسلمون معه، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم:«أنه يأتي المسلمين وهم قائمون للصلاة، ويريد أميرهم أن يتأخر حتى يؤم الناس نبي الله عيسى عليه السلام، فيأتي عيسى عليه السلام ويقول:إنها أقيمت، فصل بهم(١)». وجاء في بعض الروايات الجيدة أن أميرهم ذاك الوقت المهدي، وهو محمد بن عبد الله من بيت النبي عليه الصلاة والسلام، ومن ذرية فاطمة، فيقول له المهدي:تقدم يا روح الله، فيأتي ويقول:صل أنت، لأنها أقيمت لك. ثم يتولى القيادة بعد ذلك عيسى عليه السلام. ونزوله أمر مجمع عليه عند أهل العلم، وثابت بالنصوص الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد تواترت به الأحاديث، وليس به شك بحمد الله، هو ينزل في آخر الزمان بعد خروج الدجال الكذاب، فيبين للناس كذبه وضلاله، ويتولى عليه الصلاة والسلام قتله، وقد أشار القرآن إلى هذا بقوله جل وعلا، لما ذكر عيسى قال:{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا}(٢)أي نزوله ومجيئه، وقرأ بعض القراء:علم، بفتح العين واللام، أي دليل على قربها، وقال جل وعلا في سورة النساء:{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}(٣)، ثم قال
(١) أخرجه أحمد في مسند المكثرين، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه، برقم ١٤٩٥٤. (٢) سورة الزخرف الآية ٦١ (٣) سورة النساء الآية ١٥٨.ص:276.
بعده:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}(١)يعني ما من أحد من أهل الكتاب، وقت نزوله إلا يؤمن به قبل موت عيسى عليه السلام، فيكون الضمير في موته يعود على عيسى، وقيل:يعود على اليهودي أو النصراني، أنه قبل موته يؤمن بنزول عيسى عليه السلام، وبكل حال فالآية تشير إلى ذلك سواء قيل:إنه الضمير يعود إلى الواحد من أهل الكتاب، أنه يؤمن قبل خروج روحه، أو معنى أن عيسى عليه السلام إذا نزل آمن به أهل الكتاب ذلك الوقت، قبل أن يموت عيسى عليه السلام، فإنه يموت بعد ذلك، يمكث في الأرض ما شاء الله، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه، وجاء في بعض الروايات ما يدل على أنه يدفن في الحجرة النبوية، ولكن في صحة ذلك نظر، وبكل حال فهو ينزل بلا شك، ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم في الأرض، ويتبعه المسلمون ويفيض المال في وقته، وتأمن البلاد ويسلم الناس كلهم، فإنه لا يقبل من الناس إلا الإسلام أو السيف، يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، يترك الجزية لا يأخذها من أحد، وتكون العبادة لله وحده في زمانه، بسبب ما حصل به من الأمارة العظيمة، والدلالة القاطعة على قرب الساعة، فالناس يؤمنون في زمانه، وهو يجاهدهم بالسيف حتى يدخل الناس في دين الله، فمنهم من يدخل بسب ظهور أدلة الحق، وصدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخبر
(١) سورة النساء الآية ١٥٩.ص:277.
به، ومنهم من يكون إسلامه على أثر الجهاد الذي يقوم به عيسى عليه السلام والمسلمون.
والخلاصة أن نزوله حق وثابت بإجماع المسلمين، وأصله الأحاديث المتواترة القطعية بنزوله عليه السلام، وأشار القرآن الكريم إلى ذلك كما تقدم.
فالواجب على جميع المسلمين الإيمان به، واعتقاد نزوله في آخر الزمان وأنه ينزل حقيقة، وأنه يدعو إلى توحيد الله والإيمان به، وأنه يعمل بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ويحكم بها في الأرض، لأنه لا نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام، ينزل تابعا لمحمد عليه الصلاة والسلام حاكما بشريعته لا بشريعة التوراة السابقة، ولكن يحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، يحكم بالقرآن، هذا هو الذي أجمع عليه أهل الإسلام، ودلت عليه الأحاديث الصحيحة المتواترة، وأشار إليه القرآن الكريم.
فالواجب على جميع المسلمين اعتقاد هذا، وعدم الالتفات إلى ما قد قاله بعض المتأخرين من إنكار نزوله، وتأويل ذلك بأنه يظهر خير في آخر الزمان، وأنه عبر بهذا عن ظهور الخير، وأنه عبر بالدجال عن ظهور الشر، كل هذه أقوال فاسدة وباطلة، ويخشى على قائلها بالكفر بالله عز وجل، لأنهم كذبوا بأمر واضح، جاءت به السنة الصحيحة المتواترة، فلا يجوز الالتفات إلى ذلك.