الدنيا نقد والآخرة نسيئة فالنقد خير من النسيئة

الدنيا نقد والآخرة نسيئة فالنقد خير من النسيئة

اللفظ / العبارة' الدنيا نقد والآخرة نسيئة فالنقد خير من النسيئة
متعلق اللفظ مسائل عقدية.
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي اللفظية
Content

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (وأعظم الناس غروراً من اغتر بالدنيا وعاجلها، فآثرها على الآخرة، ورضي بها من الآخرة، حتى يقول بعض هؤلاء: الدنيا نقد، والآخرة نسيئة، والنقد أنفع من النسيئة.

ويقول بعضهم: ذرّة منقودة ولا دُرّة موعودة.

ويقول آخر منهم: لذات الدنيا متيقنة، ولذات الآخرة مشكوك فيها، ولا أدع اليقين بالشك.

وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله. والبهائم العجم أعقل من هؤلاء؛ فإن البهيمة إذا خافت مضرة شيء لم تُقدم عليه ولو ضربت، وهؤلاء يقدم أحدهم على عطبه، وهو بيْن مصدِّق ومكذِّب.

فهذا الضرب إن آمن أحدهم بالله ورسوله ولقائه والجزاء، فهو من أعظم الناس حسرة؛ لأنه أقدم على علم، وإن لم يؤمن بالله ورسوله فأبعد له.

وقول هذا القائل: النقد خير من النسيئة.

جوابه: أنه إذا تساوى النقد والنسيئة فالنقد خير، وإن تفاوتا وكانت النسيئة أكثر وأفضل فهي خير. فكيف والدنيا كلها من أولها إلى آخرها كنفس واحد من أنفاس الآخرة؟

كما في مسند الإمام أحمد والترمذي من حديث المستورد بن شداد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما الدُّنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بِم يرجع؟))

فإيثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن، وأقبح الجهل، وإذا كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها إلى الآخرة، فما مقدار عمر الإنسان بالنسبة إلى الآخرة؟ فأيما أولى بالعاقل؟ إيثار العاجل في هذه المدة اليسيرة، وحرمان الخير الدائم في الآخرة، أم ترك شيء صغير حقير منقطع عن قرب، ليأخذ ما لا قيمة له، ولا خطر له، ولا نهاية لعدده، ولا غاية لأمده؟

فأما قول الآخر: لا ترك متيقناً لمشكوك فيه.

فيُقال له: إما أن تكون على شك من وعد الله ووعيده وصدق رسله، أو تكون على يقين من ذلك؛ فإن كنت على يقين من ذلك فما تركت إلا ذرة عاجلة منقطعة فانية عن قرب، لأمر متيقن لاشك فيه ولا انقطاع له.

وإن كنت على شك فراجع آيات الرب تعالى الدالة على وجوده وقدرته ومشيئته، ووحدانيته، وصدق رسله فيما أخبروا به عن الله، وتَجَِرَّدْ وقُم لله ناظراً أو مناظراً، حتى يتبين لك أن ما جاءت به الرسل عن الله فهو الحق الذي لاشك فيه، وأن خالق هذا العالم ورب السموات والأرض يتعالى ويتقدس ويتنزه عن خلاف ما أخبر به رسله عنه، ومن نسبة إلى غير ذلك، فقد شتمه وكذبه، وأنكر ربوبيته وملكه؛ إذ من المحال الممتنع عند كل ذي فطرة سليمة، أن يكون الملك الحق عاجزاً أو جاهلاً، لا يعلم شيئاً، أو لا يسمع، ولا يبصر، ولا يتكلم، ولا يأمر، ولا ينهى، ولا يثيب، ولا يعاقب، ولا يعز من يشاء، ولا يذل من يشاء، ولا يرسل رسله إلى أطراف مملكته وجوانبها، ولا يعتني بأحوال رعيته بل يتركهم سدى ويخليهم هملاً. وهذا يقدح في ملك آحاد ملوك البشر ولا يليق به، فكيف يجوز نسبة الملك الحق المبين إليه؟) اهـ. وحديث المستورد المذكور، رواه مسلم برقم / ٢٨٥٨. والحاكم في المستدرك: ٤/ ٣١٩.

معجم المناهي اللفظية ،ص:260.




(١) (دلِيْل: مجموع الفتاوى ٢/٢، ١٦ - ٢٠، ٧٦، ٢٢ / ٤٨١ - ٤٨٦. وفهرسها ٣٧ / ٦٣.
(٢) (الدنيا نقد والآخرة نسيئة فالنقد خير من النسيئة: الداء والداء ص/ ٤٦، ٤٧.

Loading...