س - الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد
قد أطلعت أخياً على كلمة بعنوان " الخنزير ودهنه " بقلم عصام عبد البديع قال فيها وفقه الله (قضية تشغل بال كل مسلم يتوجه إلى أوربا وأمريكا لأي غرض وهو كيف يتسنى له أن يعرف الطعام الذي يقدم له أو يشربه يجب أن يكون خالياً من دهن الخنزير الذي يستخدم بكثرة في المجتمعات الغربية كيف يضمن أن ما يأكله هو حسب الشريعة الإسلامية والسنة المحمدية) . وقال (إذا ماذا يمكن أن تتصرف الأغلبية في هذه الظروف هذا سؤال يهم عدداً كبيراً من تضطرهم الظروف إلى الحياة في المجتمعات الغربية سواء للعمل أو التعليم ونتوجه بهذا السؤال إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله باز رئيس هيئة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ليريح الكثيرون من أبنائنا المبتعثين إلى الخارج والذين كثرت تساؤلاتهم حول هذا الموضوع حتى أن البعض ذهب إلى أن حالتهم هذه حالة ضرورة وأن الضرورات تبيح المحظورات. أم أن ذلك أمراً لا تبيحه الشريعة الإسلامية وأن هناك حلولاً أخرى غير النزول على حكم الضرورة؟
وإني أشكر للأخ الكاتب اهتمامه بهذه المشكلة وبحثه عن حلها وأود أن أجيب عن تساؤله في كلمة موجزة وأسال الله أن ينفع بها فأقول
أولا لا شك أن الطالب المبتعث إلى الخارج يواجه مشكلات عديدة في مطعمه ومشربه ودخوله وخروجه وأدائه للعبادات التي افترضها الله عليه، وهو فوق ذلك محفوف بمخاطر عظيمة إذ يتعرض الشاب للفتن ودعاة الضلال وأرباب المجون وجنود المنظمات الغربية والشرفية ولا عاصم من ذلك إلا من رحم الله، ولهذا فلا ينبغي للطالب المسلم أن يترك الدراسة في بلده ويسافر إلى الخارج فيعرض نفسه لهذه الأخطار العظيمة والفتن الكبيرة.
أما إذا اضطرت البلاد إلى سفر أناس معينين لدراسة علوم خاصة لا توجد في المملكة ولا غيرها من بلاد المسلمين، فعند ذلك ينبغي أن يختار طائفة من أرباب العقل والدين والهفم لأحكام الإسلام ثم يتلقون تلك العلوم في أماكن وجودها مع الحيطة والحذر وشدة المراقبة والمتابعة وبعد نهاية هذه الدراسة يعودون فوراً إلى بلادهم.
ثانيا إن الله - سبحانه وتعالى - عليم بأحوال عباده خبير بما ينفعهم وما يضرهم وقد أنزل على عبده ورسوله محمد، - صلى الله عليه وسلم -، شريعة الإسلام التي جاءت بكل خير وحذرت من كل شيء، وأنه - سبحانه - حرم المحرمات للضرر الموجود فيها على العباد مما علموه وما لم يعلموه، وإن من تلك المحرمات لحم الخنزير لاذي قد دل على تحريمه الكتاب والسنة وإجماع علماء المسلمين، قال - تعالى - " إنما حرم عليكم الميتة ولحم الخنزير ". وقال - تعالى - " قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحاً أو لحم خنزير ". وفي الحديث المتفق عليه " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام". فدل القرآن والسنة على تحريم لحم الخنزير، وعلى ذلك أجمع العلماء. قال بعض العلماء - رحمهم الله تعالى - "وأما الخنزير فقد أجمعت الأمة على تحريم جميع أجزائه" أ. هـ. والله - تعالى - إنما حرم الخبائث لحكم عظيمة يعلمها هو وإن خفيت على غيره ولو أتضح لبعض الخلق بعض الأسرار والحكم من تحريم الله لبعض الأشياء، فإن ما يخفى عليهم أكثر والحكمة في تحريم الخنزير والله أعلم ما يتصف به من القذارة التي تصاحبها الأضرار والأمراض المادية والمعنوية ولذلك أشهى غذائه القاذورات والنجاسات وهو ضار في جميع الأقاليم، ولا سيما الحارة كما ثبت بالتجربة، وأكل لحمه من أسباب وجود الدودة الوحيدة القتالة. ويقال إن له تأثيراً سيئاً في العفة والغيرة ويشهد لهذه حال أهل البلاد الذين يأكلونه. وقد وصل الطب الحديث إلى كثير من الحقائق التي تثبت إصابة كثير من متناولي لحم الخنزير بأمراض يتعذر علاجها ومع أن الطب الحديث المتطور توصل إلى تشخيص أضرار أكل لحم الخنزير فقد يكون ما خفي فيه من الأضرار ولم يصل إليه الطب أضعاف أضعافها.
ثالثا إن للأكل من الحلال والطيب من المطاعم أثراً عظيماً في صفاء القلب واستجابة الدعاء وقبول العبادة كما أن الأكل من الحرام يمنع قبولها، قال - تعالى - عن اليهود " أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت ". أي الحرام، ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه وأنى يستجيب له؟ قال، - صلى الله عليه وسلم -، " أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال - تعالى - " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً " وقال - تعالى - " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات من رزقناكم " ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول يارب يا رب ومعطعمه حرام ومشربه حرام وملسه حرام وغذي بالحرام فأني يستجاب له.
رابعا إذا علم ما تقدم فإن الواجب على المسلم أن يتقي الله - سبحانه وتعالى - ويكف عن المحرمات وأن لا يضع نفسه موضعاً لا يستطيع فيه أن يطيع الله ويلتزم أحكامه ولا ينبغي للمسلم أن يضع نفسه هذا الموضع ثم يلتفت إلى العلماء ويقول أريد حلاً من الإسلام لهذه المشكلة، ذلك أن المشكلة إنما تحل بأخذ رأي الإسلام في جميع جوانبها، أما إهمال جانب أو التساهل فيه ومحاولة الأخذ بجانب واحد فقط فإنه لا يجدي شيئاً.
خامسا لا يجوز للطالب المنبعث أن يأكل شيئاً من لحم الخنزير أو سائر أجزائه مدعياً أن حالته حالة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات، فإن هذا زعم خاطئي، فالمبعث لم يلجأ إلى الابتعاث والاستمرار فيه ولن يهلك إذا لم يأكل لحم الخنزير، أما الحلول الأخرى التي يطلبها صاحب الكلمة المشار إليها فإنها بالإضافة إلى ما تقدم تنبعث من تقوي الله - سبحانه وتعالى - وهو يقول " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ". ويرى الشاهد ما لايرى الغائب، وما أرخص الدهون في بلاد المسلمين ويستطيع المنبعث نقل حاجته معه منها أو أو ترسل إليه، أو أن تجتمع جماعة من المبتعثين ويهيئوا لأنفسهم المآكل المناسب المباحة شرعاً كالأسماك ونحوها، ولو احتاج الأمر أن يذبحوا لأنفسهم وما يحصل في ذلك من المشقة ينبغي تحمله في سبيل مرضاة الله وعدم الوقوع فيما حرم.
وختاماً أكرر شكري للأخ عصام عبد البديع الذي طرح هذه المشكلة، وأسال الله أن يوفق أبناء المسلمين لطاعة ربهم والتزام شريعته والعلم بأحكامه والحذر من مكائد أعدائه إنه سميع قريب وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.
وصلي الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.