منْعُ إطلاقه على جماعة المسلمين، وقد مضى مع أخوات له في حرف الدال: الدستور. واللفظ - لبعد القصد السيء من نشره، وتسويقه على الرعايا.في البلاد الإسلامية - جدير ببيان عنه فأقول:((الشعب)) في لسان العرب، يعني طبقة من طبقات النسب، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}الآية[الحجرات/ ١٣].
وكانت الأُمة الإسلامية - قبل نشوب الاستعمار فيها - جارية على السداد، فلا تسمع ولا تقرأ إلا قولهم: المسلمين: الأُمة المسلمة: الأُمة الإسلامية. جماعة المسلمين. أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من الألفاظ الكريمة، مثل: المؤمنين، المتقين، المحسنين، التي تربطهم بدينهم: الإسلام. لكن بعد أن أُطيح بالحكم بالإسلام، ونشبت يدُ الأعداء في دياره وعملوا على تذويب هُوية أُمته، وتفريغها من دينها الحق ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، خلفوا في بلاد المسلمين صنائع لهم ينْفُثُون في الأُمة مبادئهم، ويُنفِّذُون خططهم حتى في اللفظ والاصطلاح، وهل يستهين بذلك إلا من قلَّ نصيبه من العلم، وضعف يقينه؟
لقد بذرت تلك الصنائع ألفاظاً؛ لتحويل المسلمين عن الارتباط بإسلامهم إلى قطيع مسحوب الهوية، فألبسوهم الألقاب الجديدة البديلة للألقاب الإسلامية الأصلية، فصاروا: الشعب: الجمهور. الجماهير. الموطنون. المجتمع. ولعلَّ أول صعقة في ذلك كانت على يد: جمال عبد الناصر في: مصر. ثم سرت إلى ما شاء الله من بلدان العالم الإسلامي؛ حينئذٍ صار لزاماً بيان أصل هذا اللفظ في هذا المعنى:
لفظ:((الشعب)) بهذا المعنى - إطلاقه على الأُمة - هو مصطلح عبراني لدى اليهود، فهو يعني عندهم:((بني إسرائيل)) الذي يجمع ثلاثة أوصاف: أنهم أبناء رجل واحد هو: ((إسرائيل)) أي: يعقوب - عليه السلام - وأن هذا الأب الذي يجمعهم (مختار) ؛ لهذا لقبوا أنفسهم:((الشعب المختار)) أو ((شعب الله المختار)) وأن أرضاً واحدة تجمعهم هي: ((فلسطين)) .
فانظر كيف يُساق المسلمون ، فيُسحبون من شعاراتهم الإسلامية في الألقاب، ويُحشرون تحت مصطلح يهودي منكراً لفظاً ومعنى، يهدم إسلامهم، ويسلبهم حقهم، ويكسبهم ذل التبعية، والتفرق، والتشرذم.
إن:((أُمة الإسلام)) وإن: ((المسلمين)) لا يؤمنون بواحد من هذه الأوصاف الثلاثة التي قام عليها هذا اللقب العبراني اليهودي: ((الشعب)) ؛ لأن أخوتهم إسلامهم، والإسلام قد محا كل رابطة دونه، فلا يجمعهم النسب إلى أب واحد وإنما يجمعهم: دين واحد هو: الإسلام.
والمسلمون لا يؤمنون بمبدأ الاختيار، وشغْلِ صكوك الغُفْران، بل هم: أمة مسلمة مكلفة وفق شريعة إسلامية محمدية: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} .
والمسلمون لا يؤمنون بالتجمع السُّكَّانِي في أرض واحدة، بل هم مأمورون بالسعي في توسيع أرض الإسلام، وامتداده وبسط جناحه على المشارق والمغارب.
ولهذا فالمسلمون بإسلامهم يبطلون: نظرية اليهود: الشعب المختار باعتبارهم الفاسد، وتصورهم المهين، وينادون بإبطال الروابط سوى رابطة: الأُخوة الإسلامية، ونبذ العقائد سوى: عقيدة الإسلام.
أقول بعد هذا البيان: انظر كيف يُبتلى المسلمون فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيهجر لفظ: الأُمة المسلمة إلى لفظ الشعب، ثم يطير به الناس كل مطار، فترى في ديار المسلمين:((جريدة الشعب)) . ((مطبعة الشعب)) ((كتاب الشعب)) . ((متجر الشعب)) وهكذا يؤخذ الناس ضُحى. ومن مواقع الأسف الشديد، أنك لا ترى من نبَّه على هذا، وقاوم هذا المصطلح الوافد، من علماء الأُمة وفقهائها، وإنما انساق الناس إليه كالعنق الواحد، فإلى الله المشتكى.