سُئلتُ عن الحديث القدسيِّ: "إِنَّ مِن عِبَادي مَن لَا يَصلُحُ إِيمَانهُ إِلَّا بِالغِنَى، وَلَو أَفقَرتُهُ لَكَفَرَ … الخ".

سُئلتُ عن الحديث القدسيِّ: "إِنَّ مِن عِبَادي مَن لَا يَصلُحُ إِيمَانهُ إِلَّا بِالغِنَى، وَلَو أَفقَرتُهُ لَكَفَرَ … الخ".

اللفظ / العبارة' سُئلتُ عن الحديث القدسيِّ: "إِنَّ مِن عِبَادي مَن لَا يَصلُحُ إِيمَانهُ إِلَّا بِالغِنَى، وَلَو أَفقَرتُهُ لَكَفَرَ … الخ".
متعلق اللفظ مسائل حديثية
الحكم الشرعي منكر
القسم المناهي العملية
Content

 سُئلتُ عن الحديث القدسيِّ: "إِنَّ مِن عِبَادي مَن لَا يَصلُحُ إِيمَانهُ إِلَّا بِالغِنَى، وَلَو أَفقَرتُهُ لَكَفَرَ … الخ".

• قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.

أخرَجَه الخطيبُ في "التَّاريخ" (٦/ ١٥) من طريق يحيى بن عيسى الرَّمليِّ، حدَّثنا سفيانُ بنُ سعيدٍ الثَّوريُّ، حدَّثنا حمَّادُ بنُ زيدٍ، عن أبي قِلابةَ، عن كَثر بن أَفلَحَ، عن عُمَر بن الخطَّاب مرفُوعًا: "أتاني جبريلُ، فقال: يا مُحمَّدُ! ربُّك يقرأُ عليكَ السَّلامَ، ويقولُ: إنَّ مِن عبادي مَن لا يَصلُح إيمانُهُ إلَّا بالغِنى، ولو أفقرته لكفرَ، وإنَّ مِن عبادي مَن لا يَصلُح إيمانُهُ إلَّا بالفقر، ولو أغنيته لكَفَرَ، وإنَّ مِن عبادي مَن لا يَصلُح إيمانُهُ إلَّا بالسَّقَم، ولو أصحَحته لكفر، وإنَّ مِن عبادي مَن لا يَصلُح إيمانُهُ إلَّا بالصِّحَّة، ولو أسقمته لكفر".

وهذا سندٌ ضعيفٌ أو واهٍ، وعلَّتُهُ: يحيى بنُ عيسى الرَّمليُّ، ضعَّفه ابن مَعِينٍ، وقال النَّسائيُّ: "ليس بالقويِّ"، وقال ابن عدِيٍّ: "عامَّة ما يروِيهِ ممَّا لا يُتابَع عليه".

وله شاهدٌ من حديث أنسٍ - رضي الله عنه - ..

أخرَجَهُ ابنُ أبي الدُّنيَا في "الأولياء" (١)، وأبو بَكرٍ الكِلَابَاذِيُّ في "معاني الأَخبَار" (ق ١٣٣/ ١ - ٢)، وأبو نُعيمٍ في "الحِليَةِ" (٨/ ٣١٨ - ٣١٩)، والأَصبَهَانِيُّ فِي "التَّرغيب" (٢٠٤)، وابنُ عساكر في "تاريخ دِمَشقَ".ص:18.

(٧/ ٦٨)، وابنُ الجَوزِيِّ في "الواهيات" (٢٧)، وفي "صفة الصَّفوة" (رقم ٣ - بتحقيقي)، والشَّجَرِيُّ في "الأَمالِي" (٢/ ٢٠٤) من طُرُقٍ عن الحَسَن بن يحيى الخُشَنِيِّ أبي عبد المَلِك، ثنا صَدَقةُ بن عبد الله، عن هِشامٍ الكِنَانِيِّ، عن أنسٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "قال اللهُ تعالَى: مَن أهانَ لِي وليًّا فقد بَارَزَنِي بالمُحارَبة، وما تَردَّدتُ عَن شيءٍ أنا فَاعِلُهُ ما تَرَدَّدتُ في قَبضِ نفسِ عَبدِي المُؤمِنِ؛ لأنَّهُ يَكرَهُ المَوتَ، وأنا أَكرَهُ مَسَاءَتَهُ، ولابُدَّ لَهُ مِنهُ. وإن مِن عِبادِي المُؤمِنين مَن يُرِيدُ بَابًا مِنَ العِلمِ فأكُفُّهُ عَنهُ؛ لا يَدخُلُه عُجبٌ فيَفسَدُ لذلك. وما تَقرَبَ إليَّ عَبدِي بمِثلِ أداءِ ما افتَرَضتُ عليه. وما يَزَالُ عَبدِي يَتنَفَّلُ لي حَتَّى أُحِبَّه، فإذا أَحبَبتُه كنتُ له سَمعًا، وبَصَرًا، ويَدًا، ومُؤَيِّدًا، دَعَانِي فأجَبتُه، وسَألنِي فأعطَيتُه، ونَصَح لي فنَصَحتُ له. وإن مِن عِبادِي المُؤمِنين مَن لا يُصلِحُ إيمانَهُ إلَّا الفَقرُ، ولو بَسَطتُ لَهُ لأَفسَدَهُ ذلك. وإنَّ مِن عِبادِي المُؤمِنين مَن لَا يُصلِحُ لَهُ إيمانَهُ إلَّا الصِّحَّةُ، ولو أَسقَمته لأفسَدَهُ ذلك. وإن مِن عِبادِي المُؤمِنين مَن لا يُصلِحُ إيمانَهُ إلا السَّقَمُ، ولو أَصحَحتُهُ لأفسَدَهُ ذلك. إنِّي أُدَبِّرُ أَمرَ عِبادِي بِعِلمِي، إنِّي بقلُوبِهِم عَلِيمٌ خَبِيرٌ".

وعزاهُ شيخُنا في "الصَّحيحة" (٤/ ١٨٩) إلى مُحمَّدِ بن سُليمان الرَّبعِيِّ في "جُزءٍ من حديثه" (ق ٢١٦/ ٢).

قال أبو نُعيمٍ: "غَرِيبٌ من حديث أنسٍ. لم يَروِهِ عنه بهذه السِّيَاقَةِ إلَّا هشَامٌ الكِنَانِيُّ، وعنه صَدَقَةُ بن عبد الله أبو مُعاوِيَةَ الدِّمَشقِيُّ. تفرَّدَ به الحَسَنُ بن يحيى الخُشَنِيُّ".ص:19.

قال شيخُنا: "هشامٌ الكنانِيُّ لم أعرفه، وقد ذَكَره ابنُ حِبّان في كلامه الذي سبق نقلُهُ عنه بواسطةِ الحافظِ ابن حَجَرٍ، فالمفروضُ أن يُورِدِهُ ابنُ حبَّان في "ثقات التَّابعين"، ولكنَّه لم يَفعَل، وإنَّما ذَكَر فيهم هشامَ بن زيدِ بن أنسٍ البَصريَّ، يروي عن أَنسٍ، وهو من رجال الشَّيخَين. فلعلَّه هو".

• قلتُ: وهو بعيدٌ أن يكون هو.

والخُشَنِيُّ صَدُوق في نَفسِه، ولكنَّه صاحِبُ مَنَاكِير.

وخالَفَهُ سَلامَةُ بن بِشرٍ، قال: نا صَدَقَةُ، عن إبراهيمَ بن أبي كَرِيمَةَ، عن هِشامٍ الكِنَانِيِّ، عن أنسٍ، عن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، عن جِبرِيلَ، عن رَبِّه تبارَكَ وتعالَى، … فذَكَرَه.

فجَعَلَ بين صدقةَ وهِشامٍ: "إبراهيمَ بنَ أبي كَرِيمَة".

أخرَجَهُ ابنُ عَسَاكِر (٧/ ٦٧)، من طرِيقٍ تمامٍ الرَّازِيِّ، أنا أبو الحَسَن أَحمَدُ بن سُليمَان بن حَذْلَمٍ، نا يزيدُ بن مُحمَّد بن عبد الصَّمَد، نا سَلَامةُ بن بِشرٍ بهذا.

وسَلَامةُ هو ابن بِشرِ بن بُدَيلٍ، قال أبو حاتِمٍ: "صَدُوقٌ"، وذَكَرَهُ ابن حِبَّانَ في "الثِّقات" وقال: "يُغرِبُ". وهو أحسَنُ حالًا من الخُشَنِيِّ.

والرَّاوِي عنه يَزِيدُ بن مُحَمَّدٍ أحَدُ الثِّقاتِ، مِن مشَايخ أبِي دَاوُد، والنَّسائِيِّ.

وإبراهيمُ بنُ أبي كَرِيمَةَ تَرجَمَهُ ابنُ عسَاكِر في مَوضِع الحديثِ، ولم يَذكُر فيه شَيئًا.ص:20.

بَقِيَ الكلامُ عن صَدَقَةَ بن عبد الله السَّمِينِ، والذي اختَلَفَ الرُّواةُ عَنهُ.

فالذي يَتَحَصَّلُ مِن كلام العُلَماء فيه أنَّهُ ضَعِيفٌ. وقد مَرَّ وَجهَانِ مِن الاختلاف عليه ..

ووَجهٌ ثالِثٌ ..

وهو ما رَوَاهُ عُمَرُ بن سعيدٍ الدِّمَشقِي، عنه، قال: حدَّثَني عبدُ الكَرِيم الجَزَرِيُّ، عن أنس بن مالِكٍ، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، عن جِبرِيلَ عليه السلام، عن الله تبارَك وتعالَى، أنَّهُ قال: "مَن أَهَانَ لِي وليًّا فقد بَارَزَنِي بالمُحارَبَة، وإِنِّي لأَسرَعُ شَيءٍ إلى نُصرَةِ أوليَائِي؛ لأنِّي لأَغضَبُ لَهُم كما يَغضَبُ اللَّيثُ الحَرِبُ. وما تَردَّدتُ عن شَيءٍ أنا فَاعِلُهُ ترددي عن قَبضِ رُوح عَبدِي المُؤمِنِ؛ وهو يَكرَهُ الموتَ وأَكرَهُ مَساءَتَهُ، ولابدَّ له مِنهُ. وما تَعَبَّدَ لي عَبدِي المُؤمِنُ بمِثلِ الزُّهدِ في الدُّنيَا. ولا تَقَرَّبَ إليَّ عَبدِي المُؤمِنُ بِمِثلِ أداءِ ما افَترَضتُ عليه. وما يَزَالُ عَبدِي يتقَرَّبُ إليَّ بالنَّوَافِل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحبَبتُه كنتُ له سَمعًا، وبَصَرًا، ويَدًا، ومُؤَيِّدًا، إن سَألني أعطيته، وإن دَعَانِي أجَبتُ لَهُ. وإِنّ مِن عِبادِي المؤمِنِين لمَن يَسألُني البابَ مِن العِبَادَة، ولو أَعطَيته إيَّاهُ لدَخَلَهُ العُجبُ فأَفسَدَهُ. ذَلِكَ؛ أن مِن عِبادِي مَن لا يُصلِحُهُ إلَّا الغِنَي، ولو أَفقَرتُهُ لأفسَدَهُ ذلك. وإنَّ مِن عِبادِي المُؤمِنين مَن لا يُصلِحُهُ إلَّا الفَقرُ، ولو أَغنَيتُه لأفسَدَهُ ذلك. وإنَّ مِن عِبادِي المُؤمِنين مَن لا يُصلِحُهُ إلَّا الصِّحَّةُ، ولو أَسقَمته لأَفسَدَهُ ذلك. وإن مِن عِبادِي المُؤمِنين مَن لا يُصلِحُهُ إلا السَّقَمُ، ولو أصَحَحته لأَفسَدَهُ ذلك. إنِّي أُدَبِّرُ عِبَادِي بِعِلمِي بِقُلُوبِهم، إنِّي عَلِيمٌ خَبِيرٌ".ص:21.

قال صَدَقَةُ: سمعتُ أبانَ بنَ أبي عيَّاش يحدِّثُ هذا، عن أنَسَ بن مالِكٍ - رضي الله عنه -، ثُمَّ يقُولُ أنَسٌ: "اللَّهُمَّ! إنِّي مِن عِبَادِك الذين لا يُصلِحُهُم إلا الغِنَى، فلا تُفقِرْنِي".

أخرَجَهُ الحكيمُ التِّرمِذِيُّ في "نَوادِر الأُصُول" (ج ١/ ق ٢٥٩/ ١ - ٢)، قال: حدَّثَنا داوُد بنُ حمَّادٍ القَيسِيُّ، قال: حدَّثَنَا عُمَرُ بن سعيدٍ الدِّمَشقِيُّ بهذا.

• قلتُ: وعُمَرُ بن سَعِيدٍ هذا هو عِندِي ابنُ سُليمانَ أبو حَفصٍ الأَعوَرُ. تَرجَمَهُ ابن عَساكِر (٤٨/ ٤١ - ٤٥)، وذَكَرَهُ الحافِظُ في "التَّهذِيب" (٧/ ٤٥٣ - ٤٥٤)، تميِيزًا. وهو ضَعِيفٌ جِدًّا. قال النَّسَائِيُّ: "ليس بِثِقَةٍ"، وضَعَّفَهُ ابنُ المَدِينِيِّ جِدًّا، وقال أبو حَاتِمٍ: "كَتَبتُ عَنهُ، وطَرَحتُ حدِيثَهُ".

وعبدُ الكَرِيم بن مالِكٍ الجَزَرِيُّ أحَدُ الأَثبَات، لكِنَّهُ لم يُدرِك أَحَدًا مِن الصَّحَابَة؛ فالإِسنادُ مُنقَطِعٌ أيضًا.

وأَشبَهُ الوُجُوه ما رَوَاهُ سَلَامة بن بِشرٍ، عن صَدَقَة، عن إبرَاهِيمَ بن أبي كَرِيمَةَ، عن هِشامٍ الكِنَانِيِّ، عن أنَسٍ. وقد بَيَّنتُ لك قَبلَ ذلك أن هذا الوجهَ لا يَصِحُّ أيضًا.

أمَّا حدِيثُ: "مَن عَادَى لي وَليًّا فقد آذَنته بالحرب … "، فهو حديثٌ صحِيحٌ، مِن مَفَارِيد البُخارِيِّ. ولِشَيخِنَا الأَلبَانِيِّ حَفِظَهُ اللهُ تحقِيقٌ مُمتِعٌ عليه، أَودَعَهُ في "الصَّحِيحَة" (٤/ ١٨٣ - ١٩٣).

والله أعلَمُ.

كتاب إسعاف اللبيث ،ج:1،ص:22.



Loading...