سُئلتُ عن حديثٍ: قالت عائشةُ: "مَا رَأَيتُ عَورَةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَطُّ، وَلَا رَآه مِنِّي".

سُئلتُ عن حديثٍ: قالت عائشةُ: "مَا رَأَيتُ عَورَةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَطُّ، وَلَا رَآه مِنِّي".

اللفظ / العبارة' سُئلتُ عن حديثٍ: قالت عائشةُ: "مَا رَأَيتُ عَورَةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَطُّ، وَلَا رَآه مِنِّي".
متعلق اللفظ مسائل حديثية
الحكم الشرعي منكر
القسم المناهي العملية
Content

سُئلتُ عن حديثٍ: قالت عائشةُ: "مَا رَأَيتُ عَورَةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَطُّ، وَلَا رَآه مِنِّي".

• قلتُ: هذا الحديثُ منكَرٌ.

أخرجه ابنُ المُقرِي في "المُعجَم" (ق ٦٣/ ١)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (٢/ ٤٧٩) قالا: حدَّثَنا عبدُ الله بنُ زِياد بن خالد بنِ أبي زِيادٍ ..

والطَّبرانيُّ في "الأوسط" (٢١٩٧)، وفي "الصَّغير" (١/ ٥٣)، وعنه أبُو نُعيمٍ في "الحِلية" (٨/ ٢٤٧) قال: حدَّثَنا أحمدُ بنُ زكريَّا بنُ شَاذانَ البَصرِيُّ ..

وابن عَدِيٍّ أيضًا (٢/ ٤٧٩)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية" (٧/ ١٠٠) عن عبدِ الله بن مُحمَّد بن يُونُسَ السِّمْنَانِيِّ ..

والخطيبُ (٤/ ٢٢٥) عن عبدِ الله بنِ أبي سُفيانَ ..

قالُوا: ثنا بَرَكةُ بنُ مُحمَّدٍ الحَلَبيُّ، ثنا يوسفُ بنُ أسباطَ، ثنا الثَّوريُّ، عن مُحمَّدِ بنِ جُحادةَ، عن قتادةَ، عن أَنَسٍ، عن عائشةَ، قالت: "ما رأيتُ عَورة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- … الخ".

وقال أبو نُعيمٍ: "وهذا من مَفَارِيد يُوسُفَ، عن الثَّورِيِّ، عن مُحمَّدٍ".

قال الطَّبرانيُّ: "لم يَروِه عن الثَّوريِّ إلَّا يُوسفُ بنُ أسباطٍ، تفرَّد به بركةُ بنُ مُحمَّدٍ".ص:104.

• قلتُ: ولا بَرَكَةَ فيهِ، فإنَّهُ كذَّابٌ.

قال الدَّارقُطنيُّ في "العلل" (ج ٥/ ق ٢٠/ ١)"يرويه بركةُ بن مُحمَّدٍ الحلبيُّ، وهو متروكٌ، وهذا يَضعُ الحديثَ على الثَّوريِّ، وعلى غيرِهِ. ولا يَصحُّ هذا، لا عن الثَّوريِّ، ولا عن مُحمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، ولا عَرَفناه" ا. هـ، وقال في "سُنَنه" (٤٠٩)"وبركةُ يضعُ الحديثَ".

وقال ابنُ حِبَّان: "كان يَسرِق الحديثَ، ورُبَّما قَلَبَهُ".

وقال الذَّهَبِيُّ: "مُتَّهَمٌ بالكَذب".

ولم يتفرَّد به بَرَكَةُ ..

فتابَعَهُ عبدُ الله بنُ حَسَنٍ (؟)، قال: ثنا يُوسُفُ بنُ أسباطَ، ثنا الثَّورِيُّ بهذا.

أخرَجَهُ الدَّارَقُطنِيُّ في "الأفراد" (ج ٨٣/ ق ٦/ ٢) قال: حدَّثَنا عليُّ ابنُ عبدِ الله، ثنا أبُو طالبٍ عبدُ الله بنُ أحمدَ، ثنا عبدُ الله بنُ حَسَنٍ بهذا.

وقال أبو نُعيمٍ: "ورواه غيرُهُ -يعني: غيرَ شَاذَانَ البَصرِيِّ-، عن بَرَكَة، عن يُوسُفَ، عن حمَّادٍ، عن مُحمَّد بن جُحَادةَ".

• قلتُ: وهذا الذي أشار إليه أبو نُعيمٍ: أخرَجَهُ ابنُ عَدِيٍّ (٢/ ٤٧٩)، والخطيبُ (٤/ ٢٢٥) عن عبد الله بن عبد الرَّحمن الزُّهرِيِّ، قالا: حدَّثَنا أحمدُ بنُ عبد الله بن سَابُورَ، ثنا بَرَكَة بن مُحمَّدٍ، ثنا يُوسُفُ بنُ أسباطَ، عن حمَّاد بن سَلَمة، عن مُحمَّد بن جُحادة، … فذَكَرَهُ. فقلتُ له -القائل: ابنُ سابورَ-: "إنَّما هو عن الثَّورِيِّ، عن ابن جُحادة. فأبَى، وقال: سَمَاعِي وسَمَاعُ المَعمَرِ من بَرَكة هكذا، وهكذا في أصلي".ص:104.

قال ابنُ عَدِيّ: "وابنُ سابورَ هذا أخطأ، حيثُ جَعَل مكان الثَّورِيِّ حمَّادَ بن سَلَمة، والصَّوَابُ ما حدَّثَنَاه عبدُ الله بنُ مُحمَّد بن يُونُس، وعبدُ الله ابنُ زياد بنِ خالدٍ. ولم يَروِ هذا الحديثَ بهذا الإسناد غيرُ بَرَكَة" انتهَى.

وقال الخطيبُ: "لا أعلم رواه عن بَرَكَة هذا غيرَ ابنِ سابُورَ. والمحفوظُ عن بَرَكَة: … -وساق الإسنادَ إلى الثَّورِيِّ-".

• قلتُ: ولستُ أَدرِي مُستَنَد ابنِ عَدِيٍّ في تغليطِ شيخِهِ ابن سَابُورَ، فإنَّه ثِقَةٌ كما قال الدَّارَقُطنِيُّ، ونَقَلَ توثيقَه حمزةُ بنُ يُوسُف السَّهمِيُّ في "سؤالاته" (١٥٥)، وعنه الخطيبُ.

وقال الذَّهَبِيُّ في "السِّيَر" (١٤/ ٤٦٢)"الشَّيخُ الإمام الثِّقَةُ المُحَدِّث". وقال في "الميزان" (١/ ٦٢١)، في ترجمة حَنظَلَة بن أبي سفيان: "ساق له ابنُ عَدِيِّ حديثًا مُنكَرًا، ولعلَّهُ وَقَعَ الخللُ فيه من الرُّواة إليه، فقال: حدَّثَنا أحمد بن عبد الله بن سَابُورَ، ثنا الفضل بن الصَّبَّاح، ثنا إسحاقُ الرَّازِيُّ، عن حَنظَلَة، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَر، مرفُوعًا: "اغسِلُوا قتلاكم". رواتُهُ ثقاتٌ، ونَكَارَتُهُ بَيِّنَةٌ".

فتعقَّبَهُ الحافظُ في "اللِّسان" (١/ ١٩٨)، قائلًا: "وليس بين ابنِ عَدِيٍّ وحَنظَلَةَ إلَّا أحمدُ والفضلُ. فأمَّا الفضلُ فوَثَّقَهُ يحيى بنُ مَعِينٍ، وغيرُه، وهو من شُيُوخ التِّرمذِيِّ. وأمَّا أحمدُ بنُ عبد الله أبو مَطَرٍ العَسقَلَانِيُّ، قال أبو عبد الله ابنُ مَندَهْ: في أحاديثِهِ مَنَاكيرُ. وكذلك في سؤالات الحاكم للدَّارَقُطنِيِّ" انتهَى.

• قلتُ: هكذا وقعت التَّرجَمةُ في "اللِّسان". وآخرُ الكلام عندي مُقحَمٌ،ص:160.

منه (١)، فقد يَكُون أحدُهم ممَّن يخلِطُ عمدًا، ولكنَّه استَقبَل ابنَ مَعينٍ بأحاديثَ مُستقيمَةٍ، فإذَا وَجَدنَا مِمَّن أدَرَكه ابنُ مَعِينٍ من الرُّواة مَن وثَّقَه ابن مَعِينٍ، وكذَّبه الأَكَثرُون، أو طَعَنُوا فيه طعنًا شديدًا، فالظَّاهِر أنَّه مِن هذا الضَّرْب، فإِنَّما يزيدُهُ توثيقُ ابنِ مَعِينٍ وَهَنًا؛ لدلالتِه علَى أنَّهُ كانَ يَتَعمَّد، كما قال الشَّيخُ العلَّامةُ عبدُ الرَّحمن بن يحيَى المُعلِّمِيُّ -رحمه الله-.

وله طريق آخر ..

أخرجه أحمدُ (٦/ ٦٣)، والتِّرمِذِيُّ في "الشَّمائل" (٣٥٢)، وابنُ ماجَهْ (٦٦٢، ١٩٢٢) من طريق وَكِيعٍ، عن سُفيان الثَّورِيِّ، عن منصُورٍ، عن مُوسَى بن عبد الله بن يزيدَ الخَطْمِيِّ، عن مولًى لعائشة، عن عائشة، قالت: "ما نَظَرتُ -أو: ما رأيتُ -فَرْجَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قطُّ".


(١) يدلُّ على ذلك، ما حكاه العبَّاس بن إسحاق الصَّوَّاف: سمعتُ هارون بن معروفٍ يقول: قَدِم علينا بعض الشُّيوخ من الشَّام، فكنتُ أوَّل من بكَّر عليه، فدخلتُ عليه، فسألتُه أن يملي عليَّ شيئا، فأخذ الكتابَ يُمِلي عليَّ، فإذا بإنسانٍ يدقُّ الباب، فقال الشَّيخ: "من هذا؟ "، قال: "أحمد بن حنبل"، فأذن له الشَّيخ على حالته، والكتاب في يده لا يتحرَّك. فإذا بآخر يدقُّ الباب، فقال الشَّيخ: "من هذا؟ "، قال: "أحمد الدَّورَقِيُّ"، فأذن له، والشَّيخ على حالته، والكتاب في يده لا يتحرَّك. فإذا بآخر يدقُّ الباب، فقال الشَّيخ: "من هذا؟ "، قال: "عبد الله بن الرُّوميِّ"، فأذن له، والشَّيخ على حالته، والكتاب في يده لا يتحرَّك. فإذا بآخر يدقُّ الباب، فقال الشَّيخ: "من هذا؟ "، قال: "أبو خيثمة زُهير بن حرب"، فأذن له، والشَّيخ على حالته، والكتاب في يده لا يتحرَّك. فإذا بآخر يدقُّ الباب، فقال الشَّيخ: "من هذا؟ "، قال: "يحيى بن معين"، -قال:- فرأيت الشَّيخ ارتعدت يدُه، ثم سقط الكتابُ من يده!
رواه ابن عديٍّ في "الكامل" (١/ ١٣١ - ١٣٢)، ومن طريقه الخطيبُ في "تاريخه" (١٤/ ١٨١)، وابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" (ج ١٨/ ق ١٩٧) قال: حدَّثنا يحيى بن زكريَّا بن حيَّوَيْه، ثنا العبَّاس بن إسحاق بهذا.ص:161.

ونَقَلَ ابن ماجَهْ عن شيخه ابنِ أبي شَيبَة، قال: "كان أبو نُعيمٍ يقول: عن مولاةٍ لعائشة".

وأبو نُعيمٍ هو الفضل بن دُكَينٍ. وروايته أخرَجَهَا إسحاقُ بنُ رَاهَويهِ في "مُسنَده" (ج ٤/ ق ١٢٠/ ٢) قال: أخبَرَنا المُلَائِيُّ، نا سُفيان به.

وأخرجه ابنُ سَعدٍ في "الطَّبَقات" (١/ ٣٨٣ - ٣٨٤) قال: أخبَرَنا وَكِيعُ بنُ الجرَّاح، والفضلُ بنُ دُكَينٍ، عن سُفيانَ به.

والمُلَائِيُّ هو أبو نُعيمٍ.

ولكنَّه لم يتفرَّد به ..

فتابعه عبدُ الرَّحمن بنُ مَهدِيٍّ، فرواه عن سُفيان، مثلَ أبي نُعيمٍ.

أخرجه أحمدُ (٦/ ١٩٠).

وهذا الوجهُ عن سُفيانَ الثَّورِيِّ أولى من رِوايةِ يُوسُفَ بنِ أسباطَ المُتقدِّمةِ عنه؛ للعِلَّة المُتقَدِّمة.

وسَنَدُه ضعيفٌ؛ لجهالة مولاة عائشة.

وقد ثَبَت ما يُعارِض هذه الرِّوايةَ، كما يأتِي.

وأخرَجَ عبدُ الرَّزَّاق (ج ٦/ رقم ١٠٤٧١)، ومن طريقه الطبراني في "الكبير" (ج ٩/ رقم ٨٣١٨) عن يحيى بن العلاء، عن ابن أَنعُمٍ، أنَّ سعدَ بنَ مسعودٍ الكِنْدِيَّ قال: أَتَى عُثمانُ بنُ مظعُون رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "يا رسُولَ الله! إنِّي لأستحَيِي أن تَرَى أهلي عَورَتِي"، قال: "وقد جَعَلَكَ اللهُ لهم لِباسًا، وجَعَلَهُم لك لِباسًا؟! "، قال: "أَكرَهُ ذلك"، قال: "فإِنَّهم يَرَونَه مِنِّي، وأَرَاه منهم"، قال: "أنتَ يا رسُولَ الله؟! "، قال:ص:162.

"أنا"، قال: "أنتَ؟! فمَن بَعدَكَ إذًا؟! "، -قال:- فلمَّا أَدبَر عثمانُ قال رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ ابنَ مظعُون لَحَيِيٌّ سِتِّيرٌ".

قال الهَيثَمِيُّ: "فيه يحيى بنُ العَلَاء، وهو متروكٌ" ا. هـ، وكذَّبَهُ أحمد، وغيرُه.

• قلتُ: لم يتفرَّد به ..

فتابعه مُحمَّدُ بنُ يزيدَ الوَاسِطِيُّ، ويعلى بنُ عُبَيدٍ الطَّنَافِسِيُّ، قالا: أخبَرَنا الإِفرِيقِيُّ، عن سعدِ بنِ مسعُودٍ، وعُمارةَ بنِ غُرابٍ اليَحصُبِيِّ، أن عُثمانَ بن مظعُون أتى النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- … فذكره.

أخرجه ابنُ سعدٍ في "الطَّبَقات" (٣/ ٣٩٤) عنهما.

والإِفرِيقِيُّ هو عبدُ الرحمن بنُ زياد بن أَنعُمٍ، مُختلَفٌ فيه، فمِنهُم من مشَّاهُ، والأكثَرُون على تضعيفه.

وسعدُ بن مسعُودٍ الكِندِيُّ وثَّقَهُ ابنُ حِبَّان (٤/ ٢٩٧)، وترجَمَهُ البُخاريُّ في "الكبير" (٢/ ٢/ ٦٤)، وابنُ أبي حَاتِمٍ (٢/ ١/ ٩٤ - ٩٥)، ورَوَى عن ضِمام بن إِسماعيلَ، قال: "كان عُمَرُ بنُ عبد العزيز بَعَث سعدَ بنَ مسعودٍ يُفَقِّهُهُم، ويُعَلِّمُهم دِينَهم"، فهذا يَدُلُّ على تقوية سعدٍ. ولكنه مُنقَطِعٌ، فإنَّهُ لم يُدرِك عُثمانَ بنَ مَظعُونٍ، إذ أنَّه تُوفيِّ في حياةِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-

ومثلُهُ عُمارةُ بنُ غُرابٍ.

وعُمارةُ هذا تَرجَمَهُ ابنُ أبي حاتمٍ في "الجرح" (٣/ ١/ ٣٦٨)، ولم يَذكُر فيه جرحًا ولا تَعدِيلًا. ولكنَّهُ مُتابَعٌ، كما هو ظَاهِرٌ.

وأخرَجَهُ الحارث بنُ أبي أُسامَةَ في "مُسنَده" (٤٩٢ - زوائده)، قال:ص:163.

حدَّثَنا إسماعيلُ بنُ أبي إِسماعيلَ، ثنا إسماعيلُ بنُ عيَّاشٍ، عن عبد الرَّحمن الإِفرِيقِيِّ، عن سعد بن مَسعُودٍ الكِندِيِّ، أنَّ عُثمانَ بنَ مَظُعون، فذَكَرَه.

وشَيخُ الحارِث مُنكَر الحديث.

واعلم! أنَّه لا يَصِحُّ حديثٌ في مَنع الرَّجُلِ أن يَرَى عورة امرأتِهِ، ولا العَكس. وكُلُّ ما وَرَدَ في هذا فبَاطِلٌ. بل ثَبَتَ عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَكسُ ذَلكَ، فقَالَ: "احفظ عَورَتك، إلَّا من زَوجَتِك، أو ما مَلكَت يمينُك".

أخرَجَهُ البُخاريُّ في "الغُسل" (١/ ٣٨٥) معلَّقًا، ووَصَلَهُ أبو داوُد (٤٠١٧)، والنَّسَائِيُّ في "عِشرة النِّساء" (٨٩٧٢ - الكبرَى)، والتِّرمِذِيُّ (٢٧٩٤)، وابنُ مَاجَهْ (١٩٢٠)، وأحمدُ (٥/ ٣، ٤)، وابنُ المُنذِر في "الأوسط" (ج ١/ رقم ٢٥٦)، والرُّوْيَانِيُّ في "مُسنَده" (ج ٢٧/ ق ١٦٣/ ٢ - ١٦٦/ ٢)، والمُخلِّصُ في "الفوائد" (ج ١١/ ق ٢٣٧/ ٢)، والطَّحَاوِيُّ في "المُشكِل" (٢/ ١٥٦)، والحاكمُ (٤/ ١٨٠)، والطَّبَرَانِيُّ في "الكبير" (ج / ١٩ رقم ٩٨٩ - ٩٩٥)، والبَيهَقِيُّ في "السُّنَن" (١/ ١٩٩، و ٢/ ٢٢٥، و ٧/ ٩٤)، وفي "الآداب" (رقم ٨٥٥)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية" (٧/ ١٢١)، والخطيبُ (٣/ ٢٦١)، والأَصبَهَانِيُّ في "التَّرغيب" (١١٠٢)، والبَغَوِيُّ في "شرح السُّنَّة" (١٣/ ٥) من حديث بَهزِ بن حَكيمٍ، عن أبيه، عن جَدِّه مُعاويةَ بنِ حَيدَةَ، قال: "يا رسُولَ الله! عوراتُنا، ما نأتي منها وما نَذَرُ؟ "، قال: "احفظ عورَتك، إلَّا من زَوجَتِك، أو ما ملكت يمينُك"، -قال:- قُلتُ: "يا رسُولَ الله! إذا كان القومُ بعضُهمُ في بعضٍ؟ "، قال: "إن استطعتَ أن لا يَرَينها أحدٌ فلا يَرَينَّها"، -قال:- قلتُ:ص:165.

"يا رسُول الله! إذا كان أحدُنا خاليًا؟ "، قال: "اللهُ أحقُّ أن يُستَحيَا منه من النَّاس"، واللَّفظُ لأبي داوُد. واقتَصَر بعضُ المُخَرِّجين على بَعضِه.

وأخرَج الشَّيخانِ، واللَّفظُ لمُسلِمٍ، عن عائشةَ، قالَت: "كُنتُ أَغتَسِل أنا ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مِن إناءٍ بيني وبينه واحدٍ، تَختَلِفُ أيدينا فيه، فيُبَادِرُنِي، حتَّى أقول: دع لي! دع لي! " قالَت: وَهُما جُنُبان.

قال الحافظُ في "الفتح" (١/ ٣٦٤)"استَدَلَّ به الدَّاوُدِيُّ على جوازِ نَظَرِ الرَّجل إلى عورة امرأتِهِ، وعكسِه. ويُؤيِّدُه: ما رَوَاه ابنُ حِبَّانَ من طريق سُليمانَ بنِ مُوسَى، أنَّه سُئِلَ عن الرَّجل يَنظُر إلى فَرْجِ امرأتِهِ، فقال: سأَلتُ عطاءً، فقال: سَأَلتُ عائشةَ، فذَكَرت هذا الحديثَ بمعناه. وهو نَصٌّ في المَسأَلة. والله أعلم" ا. هـ.

قال ابنُ حزمٍ في "المُحلَّى" (١٠/ ٣٣): "وحَلَالٌ للرَّجل أَن يَنظُر إلى فَرجِ امرأتِهِ، زوجتِهِ، أو أَمَتِه التي يَحِلُّ له وَطْؤُها، وكذلك لَهُمُا أن يَنظُرا إلى فرجِهِ، لا كراهية في ذلك أَصلًا؛ بُرهان ذلك، الأخبارُ المشهورَةُ عن عائِشةَ، وأُمِّ سَلَمة، ومَيمُونةَ، أُمهاتِ المُؤمِنِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُن- كُنَّ يَغتَسِلن مع رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- من الجَنابةِ مِم إناءٍ واحدٍ. وفي خَبَر مَيمُونَةَ، بَيَانُ أنَّه -عَلَيه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كان بِغَيرِ مِئزَرٍ، لأنَّ في خبرها أنَّه -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَدخَل يده في الإناء، ثُمَّ أفرَغَ على فَرجِه، وغَسَل بشِمالِهِ، فَبَطل بعدَ هذَا أَن يُلتَفَت إلى رأيِ أحدٍ. ومن العَجَب أَن يُبِيحَ بَعضُ المُتكلِّفين مِن أهلِ الجهلِ وطءَ الفَرج، وَيمنعَ مِنَ النَّظر إليه!! وَيكفِي مِن هذا، قَولُ الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٥، ٦]، أَمَر-عز وجل-ص:166.

بِحِفظِ الفَرْج، إلَّا على الزَّوجة ومِلكِ اليَمِين، فلا مَلامَةَ في ذلك، وهذا عُمومٌ في رُؤيتِهِ، ولَمسِهِ ومُخالَطَته. وما نَعلَمُ للمُخالِف تعلّقًا إلَّا بأثرٍ سخيفٍ، عن امرأةٍ مَجهولة، عن أُمِّ المُؤمِنين: "ما رَأيتُ فَرْج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وآخرَ في غاية السُّقوطِ: عن أبي بَكرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وزُهير بنِ مُحمَّدٍ، كلاهما عن عبدِ المَلِك بن أبي سُليمان العَرْزَمِيِّ. وهؤلاء ثَلَاثُ الأَثَافِي، والدِّيارُ البَلَاقِعُ، وأحدُهم كان يَكفِي في سُقوط الحديث" انتهَى.

• قلتُ: هوَّل ابنُ حزمٍ على عادته في الجَرح؛ فأبو بَكرٍ بنُ عيَّاشٍ ثقةٌ في نَفسِه، ولكن ساء حِفظُه لما كَبِر. وكتابُه صحيحٌ. وزُهيرُ بنُ مُحمَّدٍ فضُعِّفَ بسبب روايةِ أهل الشَّام عنه، فكَثِيرٌ منها مَنَاكِيرُ. وأمَّا عبدُ المَلِك ابنُ أبي سُليمان فهو أقواهم، وإنَّمَا نَقَم عليه شُعبةُ حديثَ الشُّفعَةِ، وما أحسنَ ما قاله الخطيبُ في "تاريخه(١٠/ ٣٩٥): "وقد أساء شُعبَةُ في اختياره، حيثُ حدَّثَ عن عُبيد الله العَرْزَمِيِّ، وترك التَّحدِيثَ عن عبد المَلِك بنِ أبي سُليمان؛ لأنَّ مُحمَّدَ بنَ عُبيد الله لم يَختَلِف الأئمَّةُ من أهل الأَثَر في ذَهَاب حديثِه، وسُقوط رِوايَتِه، وأمَّا عبدُ المَلِك فثناؤُهُم عليه مُستَفِيضٌ، وحُسنُ ذِكرِهم له مَشهُورٌ" انتهَى.

فهل يَلتَئِمُ هذا مع قَول ابنِ حَزمٍ: إنَّ واحدًا مِنهُم يكفي لسقوط الحديث، وأنَّهم "ثَلَاثُ الأَثَافِي، والدِّيَارُ البَلَاقِع"؟!

فالله تعالى يَتَجَاوَزُ عنَّا وعنه.

• قلتُ: وعلي النَّقِيضِ تمامًا مِن صنيع ابن حَزمٍ، تَرَى قولَ أبي الفَيضِ الغُمَارِيِّ في "المُداوِي" (٢/ ٢٨٧ - ٢٨٨).

فقد ذَكَر السِّيُوطِيُّ في "الجامع الصَّغِير" حديثَ: "إنَّ اللهَ جَعَلَهَا لكَ لِباسًا، وجَعَلَكَ لها لِباسًا، وأَهِلي يَرَونَ عَورَتي، وأنا أَرَى ذلك مِنهُم". فتَعَقَّبَ الغُمَارِيُّ المُنَاوِيَّ من وُجُوهٍ، الذي يعنينا مِن كلامِهِ الوجهُ الأَوَّلُ، فقال: "أنَّ هذا الحديثَ منُكَرٌ باطلٌ؛ لمُخالَفَتِهِ الصَّحيحَ مِن سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والثَّابِتَ المعرُوفَ مِن هَديِهَ وَأَمرِهِ. والصَّحِيحُ عن عائشة -رضي الله عنها- قولهُا: "مَا رَأيتُ ذلك منه، ولا رآه مِنِّي". وفي سِياقِ الحديثِ مِن أَصلِهِ نَكَارَةٌ، وهو: سعدُ بنُ مسعُودٍ اللَّيثِيُّ، قال: أَتَى عُثمانُ بنُ مَظعُون رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "إنِّي أَستَحِي أن يَرَى أهلي عَورَتِي قال: "وَلِمَ، وقد جَعَلك اللهُ لُهنَّ لِباسًا، وجَعَلهم لك لِباسًا؟!  قال: "أَكرَهُ ذلك قال: "فإِنَّهم يَرَونه مِنِّي، وأَرَاه منهم قال: "أنت رسولُ الله!  قال: "أنا قال: "أنتَ! فمَن بَعدَك إذَنْ؟! "، فلمَّا أَدبَرَ عُثمانُ، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ ابنَ مَظعُون لحَيِيٌّ سِتِّيرٌ". ففي هذا السِّياقِ، ومُراجَعَةِ ابنِ مَظعُون للنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في هذا الأمر، بذلك التعبيرِ الغَرِيبِ، ما يدُلُّ على نَكَارَتِه وبُطلانِهِ، قَبل مخُالَفتِهِ للثَّابِت من سُنَّتِه -صلى الله عليه وسلم-، فكيف وفي سَنَدِه عند ابنِ سعدٍ عبدُ الرَّحمن بنُ زيادٍ الإِفرِيقِيُّ، رَاوِى الغرائبِ والمُنكَراتِ، والمُدلِّسُ عن الكَذَّابين، والرَّاوِي عن المجهولين. وفي سَنَدِه عند الطَّبَرَانِيِّ يحيى بنُ العَلَاء، وهو كَذَّابٌ، يَضَعُ الحديثَ، كما قال أحمدُ بنُ حَنبَلٍ. فكيف يُقبَل ما رواه مثلُ هؤلاء في مُعارَضَةِ الصَّحيح مِن سُنَّة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وهَديِهِ؟! " انتهَى.

كتاب إسعاف اللبيث،ج:1،ص:167.


Loading...