سُئلتُ: هل هناك حديثٌ يَنهَى عن إغماض العين في الصَّلاة؟
• قلتُ: نعم هناك حديثٌ يَنهَى، لكنَّه ضعيفٌ.
أخرجه الطَّبرانيُّ في "الكبير"(ج ١١/ رقم ١٠٩٥٦)، وفي "الأوسط"(ج ٣/ رقم ٢٢٣٩)، وفي "الصَّغير"(١/ ١٧)، وابنُ عديِّ في "الكامل"(٦/ ٢٣٦٢) مِن طريق أبي خَيثَمَة مُصعَب بن سعيدٍ، قال: ثنا مُوسَى ابنُ أَعْيَنَ، عن ليثٍ، عن طاوُوسٍ، عن ابن عبَّاسٍ مرفُوعًا:"إِذَا قام أحدُكم في الصَّلاة، فلَا يُغمِض عَينَيه".
قال الطَّبرانيُّ:"لا يُروى هذَا الحديثُ عن رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- إلَّا بهذَا الإسنادِ، لم يَروِهِ عن مُوسَى إلَّا مصعبٌ". وكذلك قال ابن عديٍّ.
وهذا الإسنادُ معلٌّ بعِلَّتين:
الأولى:"ليثُ بن أبي سُليمٍ"، فعامَّةُ النُّقاد على تضعيفِهِ؛ لاختلاطه.
الثَّانية:"مُصعب بن سعيدٍ"، قال صالحٌ جزرةُ الحافظُ:"شيخٌ ضريرٌ، لا يَدرِي ما يقولُ". وقال ابن عديٍّ:"يُحدِّثُ عن الثِّقاتِ بالمناكيرَ، ويُصحِّفُ علَيهِم، والضَّعفُ على حديثِهِ بيِّنٌ".
أمَّا ابنُ حِبَّانَ، فذَكَرَهُ في "الثِّقات"(٩/ ١٧٥)، وقال:"رُبَّما أَخطَأَ. يُعتَبَرُ حديثُه إذا رَوَى عن الثِّقات، وبَيَّنَ السَّمَاع في خَبرِه؛ لأنَّه كان مُدَلِّسًا. وقد كُفَّ في آخرِ عُمرِه".ص:145.
معناها، لأنه من لوازمه، واقتصروا عليه خوف المحذور، وإلا فلا يخفى أن حقيقة المعية أوسع من العلم وأبلغ، ولظهور هذه المسألة وأنها لم تخرج عن نظائرها لم يكن فيها كلام عن الصحابة رضي الله عنهم اللهم إلا ما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره عنه، قال:"هو على العرش، وعلمه معهم"، ثم اشتهر ذلك بين السلف حين انتشر تفسير الجهمية لها بالحلول.
وأما سؤالكم عن الحديث القدسي:" «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه» . فأنت ترى أن الله تعالى ذكر في الحديث عبدا ومعبودا، ومتقربا ومتقربا إليه، ومحبا ومحبوبا، وسائلا ومسئولا، ومعطيا ومعطى، ومستعيذا، ومستعاذا به، ومعيذا ومعاذا فالحديث يدل على اثنين متباينين، كل واحد منهما غير الآخر، فإذا كان كذلك لم يكن ظاهر قوله: " كنت سمعه وبصره ويده ورجله" أن الخالق يكون جزءا من المخلوق، أو وصفا فيه، تعالى الله عن ذلك وإنما ظاهره وحقيقته أن الله تعالى يسدد هذا العبد في سمعه، وبصره، وبطشه، ومشيه، فيكون سمعه لله تعالى إخلاصا وبه استعانة وفيه شرعا، واتباعا، وهكذا بصره، وبطشه ومشيه.
وأما سؤالكم عن قول ابن القيم في الصواعق (مختصرها) : فهو قريب من المحسنين بذاته، ورحمته، فهل يصح؟ وهل سبقه أحد في ذلك؟
فإن ابن القيم - رحمه الله تعالى - قاله أخذا بظاهر قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}ص:145.
فهذه الضمائر: عِبَادِي، عَنِّي فَإِنْ ي، قَرِيبٌ، أُجِيبُ، دَعَانِ، لَيْ، بِي، كلها تعود إلى الله عز وجل فكما أنه نفسه المعبود المسئول عنه المجيب لدعوة الداعي الواجب الإيمان به فهو القريب كذلك، ولا يلزم من ذلك الحلول؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فهو قريب في علوه.
وقد سبقه إلى مثل ذلك شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - حيث قال في شرح النزول ص ٥٠٨ ج ٥ من مجموع الفتاوي:"ولهذا لما ذكر الله سبحانه قربه من داعيه وعابديه قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} . فهنا هو نفسه سبحانه القريب الذي يجيب دعوة الداع". إلى أن قال ص ٥١٠:"وأما قرب الرب قربا يقوم به بفعله القائم بنفسه فهذا تنفيه الكلابية، ومن يمنع قيام الأفعال الاختيارية بذاته، وأما السلف وأئمة الحديث والسنة فلا يمنعون ذلك، وكذلك كثير من أهل الكلام". اهـ