سُئلتُ عن حديث:"مَن تَطيَّبَ، وَلَم يَكُن بِالطِّبِّ مَعرُوفًا، فَأَصَابَ نَفْسًا كما دُونَهَا، فَهُوَ ضَامِنٌ".
• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.
أخرجه أبُو داوُد (٤٥٨٦)، والنَّسائيُّ (٨/ ٥٢، ٥٣)، وابنُ ماجَهْ (٣٤٦٦)، والدَّارَقطنيُّ (٣/ ١٩٥، ١٩٦، و ٤/ ٢١٥، ٢١٦)، والحاكِمُ (٤/ ٢١٢)، وابنُ عدي في "الكامل"(٥/ ١١٥)، والبَيهقيُّ (٨/ ١٤١)، وأبو نُعيمٍ في "الطبِّ"(ق ١٤/ ٢) من طُرقٍ عن الوليد بن مُسلِمٍ، نا ابنُ جُريجٍ، عن عمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه مرفُوعًا.
قال أبُو داوُد:"وهذا لم يرِوِه إلَّا الوليدُ، ولا نَدرِي هو صحيحٌ أم لا؟ ".
وقال الدَّارَقُطنيُّ:"لم يُسنِده عن ابن جُريجٍ غيرُ الوليد بن مُسلِمٍ، وغيرُهُ يرويه عن ابن جُريجٍ، عن عمرو بن شُعيبٍ، مُرسَلًا عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ".
• قلتُ: رواه عن الوليد بن مُسلمٍ مُسنَدًا هكذا جماعةٌ، منهم: نصرُ بنُ عاصمٍ الأَنطَاكِيُّ، ومُحمَّدُ بنُ الصَّبَّاح بن سُفيان، وعمرُو بنُ عثمان بن سعيدٍ، ومُحمَّدُ بنُ مصفَّى، وهشامُ بنُ عمَّارٍ، وراشدُ بنُ سعيدٍ الرَّمليُّ، ومُحمَّدُ بنُ عبد الرَّحمن بن سهمٍ، ودُحيمٌ، وعيسى بنُ أبي عِمران الرَّمليُّ.ص:223.
وخالفهم محمودُ بنُ خالدٍ، فرواه عن الوليد بن مُسلِمٍ، عن ابن جُريجٍ، عن عمرِو بن شُعيبٍ، عن جَدِّه مرفُوعًا، ولم يَذكُر شُعيبًا في الإسناد.
ذكره ابنُ عديٍّ، والبَيهقيُّ.
قال ابنُ عديٍّ:"رواه محَمُودُ بنُ خالدٍ، عن الوليدِ بن مُسلِمٍ، عن ابن جُريجٍ، عن عمرِو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، مثل ما قال هشامٌ ودُحَيمٌ، ولم يَذكُر أباه. ذكره أبُو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ عن محمودٍ، وجَعَله من جَودةِ إسنادِهِ" ا. هـ، كذا قال ابن عديٍّ.
وقد رواه النَّسائيُّ هكذا (٨/ ٥٣): "أخَبَرني محمودُ بنُ خالدٍ، قال: حدَّثَنا الوليدُ، عن ابن جُريجٍ، عن عمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جَدَّه، مثلَه سواءٌ"، وهو يَعنِي مثلَ روايةِ عمرِو بن عُثمانَ وابنِ مصفَّى، عن الوليدِ بن مُسلِمٍ، وقد ذَكَرَا السَّند موصُولًا.
فقولُهُ:"مثلَه سواء" يعنِي سَنَدًا ومتنًا. ولكن، يَظهرُ لي أن النَّسائيَّ عَنَى بقوله:"مثله سواء" المَتنَ دُون السَّنَد، بدليل ما نَقَلُوا عنه.
ومثل هذا يَقَعُ لعُلَماء الحَدِيث، حِين يُنبِّهون على الرِّواية المُرسلة بعد الموصُولة، فيَذكُرُونها موصُولةً، ثُمَّ يقولون: هي مُرسلة، فيُفهم ذلك مِن نقدِهِم. فكأنَّه قال:" … عمرُو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، ولم يَذكُر أباه"، لِتَستحضِرَ معه علَّة السَّنَد. واللهُ أَعلمُ.
لكن النَّقدُ يقتضِي أن تَكُون روايةُ الجماعةِ عن الوليدِ أصحَّ من رواية محمودِ بن خالدٍ عنه، لولا ما ذَكَره الدَّارَقُطنيُّ، أن الوليدَ بن مُسلِمٍ خُولف فيه.ص:223.
وهذا السَّنَدُ، فضلًا عن المخالَفة، ضعيفٌ؛ فإنَّ الوليدَ بنَ مُسلِمٍ كان يُدلِّسُ تدليسَ التَّسويةِ، فيلزَمُهُ أن يُصَرِّح في كُلِّ طبقات السَّنَد، وقد عَنعَن في سائِرِها، إلَّا عن شيخِهِ ابن جُريجٍ، فصرَّحَ بالتَّحديث، وهذا لا يَكفِي، كما هو مَعرُوفٌ.
ثُمَّ إنَّ ابنَ جُريجٍ أيضًا مُدلِّسٌ، وقد عنعن في سائِرِ الطُّرُق التي وقفتُ عليها، وقد وَصَفَ الدَّارقُطنيُّ تدليسَه بـ "القُبْح"؛ لأنَّه كان يُدلِّسُ عن الكذَّابين، ثُمَّ يُسقِطُهُم، فلعلَّه أَخذَهُ من كذَّابٍ، أو مَترُوكٍ، ثُمَّ دلَّسَه.
لكن، أخرجه أبُو داوُد (٤٥٨٧) من طريق عبد العزيز بن عُمَر بن عبد العزيز، قال: حدَّثني بعضُ الوَفد الذين قَدِموا على أبي، قال: قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما طبيبٍ تطبَّب على قومٍ لا يُعرَف منه تطبُّبٌ قبل ذلك، فأَعنَتَ، فهو ضامنٌ"، قال عبدُ العزيز:"أَمَا إنه ليس بالنّعت، إنَّما هو قطعُ العُروق، والبَطُّ، والكيُّ".
وهذا مُرسَلٌ، وهو لا يُقوِّي حديثَ عبدِ الله بن عمرٍو السابقَ؛ لشِدَّة ضعفِهِ على ما بيَّنَّا.