مَن تَرَكَ الصَّفَّ الأَوَّلَ مَخَافَةَ أَن يُؤذِيَ أَحَدًا، أَضعَفَ اللهُ لَهُ أَجرَ الصَّفِّ الأَوَّلِ".

مَن تَرَكَ الصَّفَّ الأَوَّلَ مَخَافَةَ أَن يُؤذِيَ أَحَدًا، أَضعَفَ اللهُ لَهُ أَجرَ الصَّفِّ الأَوَّلِ".

اللفظ / العبارة' مَن تَرَكَ الصَّفَّ الأَوَّلَ مَخَافَةَ أَن يُؤذِيَ أَحَدًا، أَضعَفَ اللهُ لَهُ أَجرَ الصَّفِّ الأَوَّلِ".
متعلق اللفظ مسائل حديثية
الحكم الشرعي باطل لا أصل له
القسم المناهي العملية
Content

 سُئلتُ عن حديث: "مَن تَرَكَ الصَّفَّ الأَوَّلَ مَخَافَةَ أَن يُؤذِيَ أَحَدًا، أَضعَفَ اللهُ لَهُ أَجرَ الصَّفِّ الأَوَّلِ".

• قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ.

أخرجه الطَّبَرانيُّ في "الأوسط" (٥٣٧) مِن طريق الوَلِيد بن الفضل العَنَزِيِّ، نا نُوحُ بنُ أبي مريمَ، عن زيدٍ العَمِّيِّ، عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ مرفُوعًا فذكره.

قال الطَّبرانيُّ: "لا يُروَى هذا الحديثُ عن ابن عبَّاسٍ، إلَّا بهذا الإسناد، تفرَّدَ به الوليدُ بن الفضل" ا. هـ.

• قُلتُ: والوليدُ، ترجَمَهُ ابنُ أبي حاتمٍ في "الجرح والتَّعديل" (٤/ ٢/ ١٣)، ونَقَلَ عن أبيه، قال: "مجهولٌ".

وترجمه ابن حِبَّانَ في "المجروحين" (٣/ ٨٢)"شيخٌ يَروِي المناكيرَ، التي لا يَشكُّ مَن تبحَّر في هذ الصِّناعة أنَّها موضُوعةٌ. لا يَجُوز الاحتجاج به بحالٍ إذا انفرَد" ا. هـ.

ولم يتفرَّد بِهِ كما قال الطَّبَرانيُّ. .

بل تابعه أَصرَمُ بن حَوشَبٍ، ثنا نُوحُ بنُ أبي مَريمَ به، بلفظ: "مَن ترَكَ الصَّفَّ الأوَّل مخافة أن يُؤذِيَ مُسلمًا، فقام في الصَّفِّ الثَّاني أو الثَّالِث، ضاعَف اللهُ له أجرَ الصَّفِّ الأوَّل".ص:327.

أخرَجَهُ ابنُ عديٍّ في "الكامل" (٧/ ٢٥٠٧).

وهذه المُتابَعةُ كسرابٍ بِقيعةٍ؛ وأَصرَمُ بنُ حَوشَبٍ، أَصرَمٌ مِنَ الخَيرِ والفَضلِ، فقد كان كذَّابًا خبيثًا، كما قال ابنُ مَعِينٍ. وقال ابنُ حِبَّانَ: "كان يَضَعُ الحديث على الثِّقاتِ". وتَرَكَهُ البُخاريُّ، ومُسلِمٌ، والنَّسَائيُّ.

وأيضًا، في إسنادِهِ نُوحُ بن أبي مَريمَ، وكان يُلقَّب بـ "الجامع"؛ لأنَّهُ جَمَعَ عُلُومًا كثيرةً، لكنَّهُ كان يَضَعُ الحديثَ، وَيكذِبُ على رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهُو الذي وَضَع الأحاديث في فضائلِ سُوَر القُرآن، فلمَّا سُئل عن ذلك، قال: "رَأيتُ النَّاسَ شُغِلوا بفقه أبي حَنيفة، ومغازِي ابن إسحاق عن قِراءَةِ القُرآن، فوَضَعتُ هذه الأحادِيثَ، حِسبَةً لله تعالى"! فما أشدَّ غفلَتَهُ! إذ يتَقرَّبُ إلى الله تعالى بالكذِبِ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد صَدَوا ابن حِبَّانَ، إذ قال فيه: "جَمَعَ كُلَّ شيءٍ، إلَّا الصِّدقَ".

وفي الإسنادِ أيضًا: زَيدٌ العمِّيُّ، وهو ضعيفٌ.

وقد رَوَى ابن حِبَّانَ هذا الحديث في "المجروحين" (٣/ ٤٨ - ٤٩) من طريق أصرمَ بن حوشبٍ بسنده سواءٌ، ثُمَّ قال: "وأصرَمُ بن حَوشبٍ، وزيدٌ العمِّيُّ قد تبرَّأنا مِن عُهدَتهِما". فالسَّنَد في غاية السُّقُوط.

ثُمَّ معناه مُنكَرٌ؛ لأنَّه يُخالِف الأحاديث الصَّحيحةَ، التي تُرَغِّب في الصَّفِّ الأوَّلِ، حتَّى لَو وَصَلَ الأمرُ إلَى إجراءِ القُرعة: مَن يظفَرُ بالفُرجَةِ في الصَّفِّ الأوَّل؟

فأخرج البُخاريُّ (٢/ ٢٠٨)، عن أبي هُريرة مرفُوعًا: "ولَو يعلَمُون ما في الصَّفِّ المُقدَّم لاستَهَمُوا".ص:327.

قال الحافِظُ في "الفتح""والصَّفُّ المُقدَّمُ: هو الذي لا يَتقَدَّمُه إلَّا الإمامُ".

وهُو عند مُسلِمٍ (٤٣٩)، ولفظِه: "لو يَعلَمُون ما في الصَّفِّ المُقدَّم، لكانَت قُرعَةً".

وأخرج مُسلِمٌ (٤٤٠) وغيرُه، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا: "خَيرُ صُفُوفِ الرِّجال أوَّلهُا. . . الحديث".

وأخرج مُسلِم (٤٣٨/ ١٣٠)، والنَّسَائيُّ (٢/ ٨٣)، وابنُ خُزَيمة (١٥٦) عن أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ، قال: رَأَى رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه تأخُّرًا، فقال لَهُم: "تَقدَّمُوا، فأْتَمُّوا بِي، ولْيَأتَمَّ بِكُم مَن بعدكم، لا يزال قومٌ يتأخَّرُون، حتَّى يُؤخِّرَهم الله".

وبوَّب عليه ابنُ خُزَيمة بقوله: "بابُ التَّغليظِ في التَّخلُّف عن الصَّفِّ الأوَّل".

والأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ.

واللهُ أعلَمُ.

كتاب إسعاف اللبيث،ج:1،ص:328.

Loading...