قُتِلَ رَجُلٌ عَلَى عَهدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَبعَدَهُ اللهُ! إِنَّهُ كَانَ يُبغِضُ قُرَيشًا".
اللفظ / العبارة'
قُتِلَ رَجُلٌ عَلَى عَهدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَبعَدَهُ اللهُ! إِنَّهُ كَانَ يُبغِضُ قُرَيشًا".
متعلق اللفظ
مسائل حديثية
الحكم الشرعي
منكر
القسم
المناهي العملية
Content
- سُئلتُ عن حديث: قُتِلَ رَجُلٌ عَلَى عَهدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ:"أَبعَدَهُ اللهُ! إِنَّهُ كَانَ يُبغِضُ قُرَيشًا".
• قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.
أخرجه الإسماعيليُّ في "مُعجَمه"(٣٨)، والعُقيليُّ في "الضُّعفاء"(٤/ ٣٥٠) مِن طريق هلال بن عبد الرَّحمن، قال: كُنتُ أنا وأيُّوبُ السَّختِيانِيُّ بِمِنًى، فأَخَذ بِيَدِي، فأَدخَلَنِي على مُحمَّد بن المُنكَدِر، فحَدَّثَنا عن جابرٍ، أن رجُلًا قُتِلَ بالمدينة، لا يُدرَى مَن قَتَله، فأُعلِمَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"أَبعَدَهُ اللهُ … الخ".
وهذا سياقُ العُقَيليُّ.
وعِند الإسماعيلي ذكر:"العَرَب" بدل: "قريشٍ".
قال العُقيليُّ:"هلالُ بنُ عبد الرَّحمن الحنفيُّ مُنكَرُ الحديث. وهذا مُنكَرٌ لا أصل له، ولا يُتابَعُ عليه".
وله شاهدٌ من حديث سعد بن أبي وقَّاصٍ - رضي الله عنه -.
أخرجه البزَّارُ (١١٤ - مسند سعد)، ومن طريقه العراقيُّ في "مَحَجَّة القُرَبِ إلى محَبَّة العَرَب"(١٢٩) قال: حدَّثنا إبراهيمُ بنُ مُحمَّد التَّيمِيُّ، حدَّثَنا عبدُ الرَّحمن بنُ عياضٍ، حدَّثني عمِّي عُتَيبةُ، عن عبد الملك بن يحيى، عن محمَّد بن سعدٍ، عن أبيه، قال: قيل للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ فُلانًا الثَّقفيَّ قُتِلَ، وقد كان أَسلَم"، فقال:"أَبعَدَهُ اللهُ! إِنَّهُ كَانَ يُبغِضُ قُريشًا".ص:443.
قال العراقيُّ:"هذا حديثٌ حسنٌ، أخرَجَهُ هكذا أبُو بكرٍ البزَّارُ في "مُسنَده"، وليس في إسناده من اتُّهم بالكذب. وقد رُوي من وجهين آخَرين: المرسلِ الصَّحيحِ الإسناد، والمُتَّصِلِ المتقدِّمِ، فصار ذا طُرُقٍ، فاعتَضَدَ".
• قلتُ: أبعَدَ النُّجْعَةَ رَحِمَهُ اللهُ، فإنَّه لم يَقُل لنا مَن عبدُ الرَّحمن بنُ عياضٍ، ومن عمُّهُ عُتَيبةُ الواقعان في هذا الإسناد، فإنِّي لم أجد لهما ترجَمةً. وأشار تلميذُهُ الهَيثميُّ إلى هذا، فقال في "المَجمَع"(١٠/ ٣٠): "فيه مَن لم أعرفه".
وعبدُ الملِك بنُ يحيَى أَظُنُّه المُترجَمَ في "الجرح والتَّعديل"(٢/ ٢/ ٣٧٥) وقال: "رَوَى عن عُروةَ بن الزُّبير. رَوَى عَنهُ الوليدُ بنُ مُسلِم".
فهذا أيضًا لا أعرف من حاله شيئًا، فالسَّنَدُ واهٍ.
أمَّا الحديثُ الموصولُ الذي عَناهُ العراقِيُّ، فهو الآتي عن المُغيرةَ بن شُعبةَ، وسيأتي الكلامُ عنه.
وأمَّا المُرسَلُ الذي عناه، فقد أخرَجَه هو في "مَحَجَّة القُرَب"(١٢٨) من طريق عبدِ الله بن صالحٍ كاتب اللَّيث، حدَّثني إبراهيمُ بنُ سعدٍ، عن صالحِ بن كَيسانَ، عن ابن شهابٍ، قال: بَلَغنِي أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ذُكِرَ له رجلٌ من ثقيفٍ مات يوم حُنينٍ وهو كافرٌ، فقال:"أبعَدَهُ اللهُ! إنَّه كان يُبغضُ قريشًا".
وقد تُوبِع صالحُ بنُ كَيسَانَ.
تابَعَهُ مَعمرُ بنُ راشدٍ، فرواه عن الزُّهريِّ، أن رجُلًا من ثقيفٍ قُتل يوم أُحُدٍ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - … فذَكَره.ص:443.
أخرَجَهُ عبدُ الرَّزَّاق في "مُصَنَّفه"(ج ١١/ رقم ١٩٩٠٤).
كذا وقع عند عبد الرَّزَّاق:"يوم أُحُدٍ".
وخالَفَهُما جُبَيرُ بنُ أبي صالحٍ، فرواه عن الزُّهريِّ، عن سعد بن أبي وقَّاصٍ، قال: إنَّ رجُلًا قُتِل، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - … فذكر مثله.
أخرَجَهُ ابنُ أبي شيبة (١٢/ ١٧٣)، وعَنهُ ابنُ أبي عاصمٍ في "السُّنَّة"(٢/ ٦٣٨) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ عبد الله الأَسَدِيُّ، عن ابن أبي ذئبٍ، عن جُبير بن أبي صالحٍ بهذا.
وإسنادهُ منقطِعٌ؛ والزُّهريُّ لَم يُدرِك سعدًا.
وروايةُ مَعمَرٍ وصالحٍ أرجحُ. وجُبَيرٌ ليس فيه توثيقٌ مُعتبَرٌ. واللهُ أعلَمُ.
ولكنْ تقويةُ المَوصولِ الذي عناه العراقِيُّ بمُرسَلِ الزُّهريِّ، فيه نظرٌ؛ فإنَّ مراسيلَ الزُّهريِّ شبهُ الرِّيح، كما نَصَّ على ذلك غيرُ واحدٍ من أهل العلم؛ ذلك لأنَّ الزُّهريَّ من صغار التَّابعين، فالغالبُ على روايته الإعضالُ؛ إذ أغلبُ شُيوخِهِ من التَّابعين، فيكون بينهُ وبين النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الغالب واسطتان، وإن كُنَّا نُسمِّي مُرسلَه مُرسَلًا فذلك من جهة التَّسمية، لا التَّقوية. والله أعلم.
أمَّا الشَّاهدُ الموصولُ الذي عناه العراقيُّ:
فأخرجَهُ هو في "المَحَجَّة"(١٢٧)، من طريق الطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج ٢٠/ رقم ٨٩٥) قال: حدَّثَنا أبُو غسَّانَ أحمدُ بنُ سهلِ بن الوليد الأَهوَازِيُّ، قال: حدَّثَنا الجَرَّاحُ بنُ مَخلَدٍ، حدَّثَنا يَعقُوب بن مُحمَّدٍ الزُّهريِّ، ثنا نَوفَلُ بنُ عِمَارةَ، حدَّثَني عبدُ الله بنُ الأسود بن أبي عاصمٍ ص:445.
الثَّقَفيُّ، عن أبيه، عن المغيرةَ بن شُعبة، قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حُنينٍ وَقَفَ على رَجُلٍ مقتُولٍ، فقال:"أَبعَدَكَ اللهُ! فَإِنَّكَ كنتَ تُبغضُ قريشًا".
قال العراقيُّ:"هذا حديثٌ في إسنادِهِ مقالٌ. ويعقُوبُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهريُّ أحدُ الحُفَّاظ، ضعَّفهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ، وأبُو زُرعةَ، وقال ابنُ مَعينٍ: ما حدَّثَكم عن الثِّقات فاكتُبُوه، وما لا يُعرَفُ من الشُّيوخ فدعوه. وشيخُهُ نَوفلُ بنُ عِمارَةَ، والجَرَّاحُ بنُ مَخلَدٍ، ذَكَرهما ابنُ حِبَّان في "الثِّقات" (٧/ ٥٤٠ و ٨/ ١٦٤) ".
• قلتُ: كذا قال! وقد تَسامَحَ في أمر يعقوبَ بن مُحَمَّدٍ، فإنَّه شبهُ المتروك. قال أحمدُ بنُ حَنبلٍ:"ليس بشيءٍ، ليس يسوي شيئًا". وقال أبُو زُرعةَ:"واهي الحديث"، وقال في موضعٍ آخر:"ليس عليه قياسٌ. يعقُوبُ الزُّهريُّ، وابنُ زَبَالَةَ، والواقديُّ، وعُمرُ بنُ أبي بكرٍ المُؤمَّليُّ: يتقارَبُون في الضَّعف". فهذا يدُلُّ على أنَّه شديدُ الضَّعف عند أبي زُرعةَ. وقال أبُو حاتِمٍ:"هو على يدَي عدلٍ" وهي صيغة جرحٍ عنده. أمَّا ابنُ مَعينٍ فلم ينقل العراقيُّ قولَه الآخر في يعقوب وهو:"أحاديثُهُ تُشبهُ أحاديثَ الواقديِّ" يعني: متروكٌ. فظاهرٌ من عبارات العُلماء أنَّه واهٍ، ولم يُوَثِّقهُ إلَّا المتساهِلون كابنِ حِبَّان، أو الذين لم يُعرَفُوا بنقد الرِّجال مثلُ حجَّاجِ بن الشَّاعر. أمَّا قولُ بن سعدٍ:"كان حافظًا" فهذا لا يعني أنَّه ثقةٌ؛ إذ أن كثيرا من الرُّواة يصفُهُم النُّقَّاد بالحفظ ويُضعِّفونهم كابن عُقدةَ والكُدَيمِيِّ وغيرهما، فالحفظُ غيرُ مُستلزِمٍ للثِّقة. ولو قبلنا ،ص:446.
القولَ الذي نَقَلهُ العراقيُّ عن ابن مَعينٍ:"ما حدَّثَكم عن الثِّقات فاكتُبُوه" فلا ينطبق على هذا الحديث؛ إذ أن شيخَهُ فيه هو: نَوفَلُ بنُ عِمارَةَ، وهذا لم يُوثِّقهُ إلَّا ابنُ حِبَّان، ولم يَذكُر عنه راويًا غيرَ يعقوبَ، فالصَّحيحُ أنَّه مجهُولٌ. أضِف إلى ذلك أن شيخَ نَوفلٍ وهو: عبدُ الله بنُ الأَسْوَدِ لم أجد له ترجمةً. وشيخَ الطَّبرانِيِّ أحمدَ بنَ سهلٍ لا أعرف فيه جَرحًا ولا تَعديلًا، وذَكَره السَّمعانِيُّ في "الأنساب (٣/ ٢٦٧) ولم يذكُر فيه شيئًا. فإسنادُ الحديثِ ضعيفٌ جدًّا، ولو سلَّمنا أن مُرسَلَ الزُّهرِيِّ السَّابقَ صحيحٌ فلا يُقوِّي هذا الموصُولَ، كيف والمُرسَلُ شبهُ الرِّيح كما ذكرتُ؟
وقال الهيثميُّ في "المَجمَع" (١٠/ ٢٧): "فيه يَعقُوبُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهريُّ، وهو ضعيفٌ، وقد وُثِّق".
ويُروَى أن هذا المَقتُولَ الذي عناه المغيرةُ هو: عُثمان بنُ عبد الله بن ربيعة. فقد ذَكَرَ ابنُ سعدٍ في "الطَّبقات" (٥/ ٥١٩) في ترجمة: "عبد الرَّحمن بن عبد الله بن عُثمان بن عبد الله بن رَبيعة"، أن جدَّهُ عُثمانَ بنَ عبد الله كان يحمِلُ لواءَ المُشركين يوم حُنينٍ، فقَتَلَهُ عليُّ بن أبي طالبٍ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبعَدَهُ اللهُ! إِنَّه كانَ يُبغِضُ قُرَيشًا".