وقد وَرَد هذا الحديثُ مِن حديث أُمِّ سَلَمَة، وعائِشة - رضي الله عنها -.
أمَّا حديثُ أُمِّ سَلَمة:
فأخرَجَهُ ابنُ جَرِيرٍ في "تفسيره"(٦٦٥٢) قال: حدَّثَنا المُثَنَّى، ثنا الحَجَّاجُ بنُ المِنهال، ثنا عبدُ الحميد بنُ بَهرَامَ الفَزَارِيُّ، ثنا شَهرُ بنُ حَوشَبٍ، قال: سمِعتُ أُمَّ سَلَمَة تُحَدِّثُ، أَنَّ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُكثِرُ في دُعائه أن يقول:"اللَّهُمَّ! مُقَلِّبَ القُلُوب! ثَبِّت قَلبِي على دِينِك". قالت: قُلتُ: "يا رسُول الله! وَإِنَّ القلبَ لَيُقَلَّبُ؟! "، قال:"نَعَم! مَا خَلَقَ اللهُ من بني آدمَ مِن بَشَرٍ إلَّا وَقَلبُه بين أُصبُعَين من أصابِعِه، فإن شاء أَقامَهُ، وإن شاء أَزَاغَهُ، فنَسأل اللّهَ رَبَّنَا! أَن لا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بعد إِذ هَدَانَا، ونَسأَلُهُ أن يَهَبَ لنا مِن لَدُنهُ رحمةً، إِنَّه هو الوَهَّاب"، قلت:"يا رسُول الله! أَلا تُعَلِّمُنِي دعوةً، أدعُو بها لنفسي؟ "، قال:" بَلَى! قُولِي: اللَّهُمَّ! رَبَّ النَّبيِّ مُحمَّدٍ! اغفر لي ذنبي، وأَذهِب غيظ قلبي، وأَجِرني من مُضِلَّات الفتن".
• قلتُ: وشيخُ الطَّبَريِّ هو المُثَنَّى بنُ إبراهيم. لم أَجِد له ترجمةً.ص:299.
أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج ٢٣/ رقم ٧٨٥)، وفي "الدُّعاء"(١٢٥٨، ١٤٣٩).
وكذلك تابَعه أبو مسلمٍ الكَشِّيُّ، ثنا حجَّاجُ بنُ مِنهالٍ بهذا.
أخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في "الدَّعوات الكبير"(٣٢٢).
وتُوجَ حجَّاجُ بنُ مِنهالٍ ..
تابَعَهُ أحمدُ بن يونُس، ثنا عبدُ الحميد بهذا بتمامِه.
أخرَجَه عبدُ بنُ حُمَيدٍ في "المنتَخَب"(١٥٣٤).
وتابَعَهُ هاشمُ بنُ القاسم، ثنا عبدُ الحميد بنُ بَهرَامَ بسَنَده سواء مِثلَه.
أخرَجَهُ أحمدُ في "المُسنَد"(٦/ ٣٥٢).
ورَوَاهُ وكيعُ بن الجَرَّاح، وأَسَدُ بنُ مُوسَى، وعمرُو بنُ عونٍ الواسطيُّ، ومحُمَّدُ بنُ بَكَّارٍ، كلُّهُم عن عبد الحميد بن بَهْرَام بسَنَده سواء، مخُتصَرًا ليس فيه محَلُّ الشَّاهد.
أخرَجَهُ أحمدُ (٦/ ٢٩٤)، وإسحاقُ بنُ راهَوَيه في "المسنَد"(١٨٧٩/ ٦٥)، وعبدُ الله بنُ أحمد في "السُّنَّة"(٨٦٦)، وابنُ جَرِيرٍ (٦٦٥٥، ٦٦٥٨)، وابنُ أبي حاتمٍ في "تفسيره"(١٤٥ - آل عمران)، وابنُ بَطَّةَ في "الإبانة"(١٣٠٤ - كتاب القَدَر)، وعثمانُ الدَّارِمِيُّ في "الرَّدِّ على المِرِيْسِيِّ"(٨٧)، وابنُ مَردَوَيهِ في "تفسيره" - كما في "ابن كَثيرٍ"(٢/ ١٠) -.ص:299.
ورواه أبو كَعبٍ صاحبُ الحَرِيرِ واسمُه عبدُ رَبِّه بنُ عُبيدٍ الأَزدِيُّ الجُرْمُوزِيُّ - وثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ وغيرُه -، عن شهر بن حَوْشَبٍ، عن أُمِّ سَلَمَة مخُتصَرًا.
أخرَجَهُ الطَّيالِسيُّ (١٧١٣).
وأخرجه التِّرمذيُّ (٣٥٢٢)، وأحمدُ (٦/ ٣١٥)، وابنُ أبي شَيبَةَ (١٠/ ٢٠٩ - ٢١٠)، وابنُ أبي عاصمٍ في "السُّنَّة"(٢٢٣، ٢٣٢)، وأبو يعلَى (٦٩٨٦) عن مُعاذ بن مُعاذٍ ..
والدُّوْلابِيُّ في "الكُنَى"(٣/ ٩٣٨) عن زيد بن الحُبَاب العُكْلِيِّ ..
وأبو يَعلَى في "مُسنَده"(٦٩١٩) عن أبي عاصمٍ النَّبيل ..
والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج ٢٣/ وقم ٧٧٢)، وفي "الأَوسَط"(٢٣٨١)، وفي "الدُّعاء"(١٢٥٧) عن مُسلِم بن إبراهيم، كلُّهُم عن أبي كَعبٍ صاحبِ الحرير به.
وأخرَجَهُ ابنُ خُزَيمةَ في "التَّوحيد"(ص: ١٩١) من طريق عبد الله بن أبي الحُسَين، عن شَهر بن حَوْشَبٍ بهذا مخُتصَرًا.
وتابَعَه مقاتِلُ بنُ حَيَّان، فرواه عن شهرٍ كذلك.
أخرَجَه ابنُ الأعرابيِّ في "المعجَم"(١٦٦٧) قال: حدَّثَنا أبو داوُد السِّجِستانيُّ ..
والطَّبرانِيُّ في "الأوسط"(٩٤٣٢) قال: حدَّثَنا هيثمُ بنُ خَلَفٍ الدُّورِيُّ ..
والآجُرِّيُّ في "الشَّريعة"(ص ٣١٦) قال: حدَّثنا أبو بكرٍ بنُ أبي داوُد ..ص:300.
وأبو نُعَيمٍ في "الحِلية"(٨/ ٤٥) عن الهيثم بن خَلَفٍ، ومحُمَّد بن محُمَّد بن سليمان، والفَضل بن أحمد بن إسماعيل، قالوا: ثنا محُمَّدُ بنُ منصورٍ الطُّوسِيُّ، ثنا حاجبُ بنُ الوليد، ثنا بقيَّةُ، عن إبراهيمَ بنِ أدهمَ، عن مقاتل بن حيَّان، عن شهرِ بن حَوشَبٍ، عن أمِّ سَلَمَة مرفوعًا.
قال الطَّبرانِيُّ:"لم يَروِه عن إبراهيم بن أدهم إلَّا بقيَّةُ، ولا عن بقيَّةَ إلَّا حاجبُ بنُ الوليد. تفرَّد به: محُمَّدُ بنُ منصورٍ الطُّوسِيُّ".
وقال أبو نُعيمٍ:"هذا مِمَّا تفرَّد به حاجبُ، عن بقيَّةَ، عن إبراهيم. وما كتبتُه إلَّا من حديث محُمَّد بن منصورٍ".
قلتُ: وهذا إسنادٌ نظيفٌ إلى شهر بن حَوشَبٍ، إن نجا من عنعنة بقيَّةَ بن الوليد، ولم أره صرَّح بالتَّحديث في شيءٍ من طُرُقه.
وحاجبُ بنُ الوليد وثَّقه ابنُ حِبَّان والخطيبُ. وسُئل ابنُ مَعِينٍ عنه، فقال:"لا أعرفه. وأمَّا أحاديثُه فصحيحةٌ"، فقال له عبدُ الخالق بن منصورٍ:"ترَى أن أكتُب عنه؟ "، قال:"ما أعرفه. وهو صحيحُ الحديث".
وكلامُ ابن مَعِينٍ ظاهرٌ في أنَّه لا يعرفُهُ معرفةً خاصَّةً، لا أنَّه مجهولٌ عنده، وإلَّا لم يقُل:"هو صحيحُ الحديث"، ولكنْ يظهَرُ أنَّه اعتَبَر روايتَه فوَجَد الثِّقاتِ يوافقونه عليها، فلذلك قال:"أحاديثُهُ صحيحةٌ". والله أعلم.
قال التِّرمذيُّ:"هذا حديثٌ حَسَنٌ".
وقال الزَّبِيدِيُّ في "إتحاف السَّادة"(٥/ ١٥٥): "ورَأَيتُ بخطِّ ،ص:301.
الحافظ السَّخَاوِيِّ، ما نَصُّهُ: هو في "مُسنَد أحمد"، من حديث أُمِّ سَلَمة، في حديثٍ طويلٍ. وسَنَدُه حَسَنٌ".
• قلتُ: لعلَّ التِّرمذيَّ حَسَّن أصل الحديث - يعني في تقليب القلوب -؛ فإنَّ له شواهدَ صحيحةً.
وشَهر بن حَوْشَبٍ، فتَكَلَّم العُلماء في حِفظِه.
وقد وَجَدتُ للفقرة المسؤُول عنها شاهدًا من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
أخرَجَهُ ابنُ السُّنِّيِّ في "اليوم واللَّيلة" (٤٥٥) قال: أخبَرنِي مُحمَّدُ بنُ أحمد بن المُهاجِر، ثنا إبراهيمُ بنُ مَسعُودٍ، ثنا جعفرُ بنُ عَونٍ، ثنا أبو العُمَيسِ، عن القاسم بنِ محُمَّد بن أبي بكرٍ، قال: كانت عائشةُ - رضي الله عنها - إذا غَضِبَت عَرَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنفِهَا، ثُمَّ يقول: "يا عُوَيش! قُولِي: اللَّهُمَّ! رَبَّ مُحَمَّدٍ! اغفر لي ذنبي، وأَذهِب غيظ قلبي، وأَجِرني من مُضِلَّات الفتن ".
وهذا سَنَدٌ قَوِيُّ، لولا أَنِّي لم أَقِف على تَرجَمَةٍ لشيخ ابن السُّنِّيِّ.
ثُمَّ وجدتُ ابنَ السُّنِّيِّ أخرَجَهُ في موضعٍ آخر (٦٢٢) قال: أخبَرَنِي أبو عُروة، حدَّثَنا عليُّ بنُ مَيمُونَ، ثنا أبو تَوبةَ الرَّبيعُ بنُ نافعٍ، عن مَسْلَمَةَ ابن عليٍّ، عن هشام بنِ عُروَة، عن عائشةَ - صلى الله عليه وسلم -، قالت: دَخَل عليَّ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا غَضْبَى، فأَخذ بطرف المِفصَل مِن أنفي، فعَرَكَهُ، ثُمَّ قال: "يا عُوَيشُ! قُولِي: اللَّهُمَّ! اغفر لي ذنبي، وأَذهِب غيظ قَلبِي، وأَجِرنِي من الشَّيطان".
قال العِراقِيُّ في "تخريج الإحياء" (١/ ٣٢٦): " إسنادُه ضعيفٌ".ص:303.
والصَّواب أنَّه ضعيفٌ جِدًّا؛ ومَسلَمَةُ بنُ عليٍّ هُوَ الخُشَنِيُّ، قال أبو حاتمٍ:"هُو في حَدِّ التَّرك"، وقد تَرَكَهُ النَّسائِيُّ والدَّارَقُطنِيُّ والبَرقَانِيُّ. وقال أبو أحمد الحاكمُ:"ذاهبُ الحديث". وقال ابنُ عَديٍّ:"جميع أحاديثه غيرُ محفوظةٍ"، والكلام فيه مشهور.
ثمَّ إنَّني لا أدري أسقط ذِكرُ:"عُروة" من الإسناد أم لا.
وقد وَجَدتُ له طريقًا آخرَ.
أخرَجَهُ ابن عساكر في "تاريخه" - كما في "ابن كثير"(٤/ ٦٥) - مِن طريق أبي أحمد الحاكم، عن البَاغِندِيِّ، عن هِشام بن عَمَّارٍ، حدَّثَنا عبدُ الرَّحمن بنُ أبي الجَونِ، عن مُؤَذِّنٍ لعُمَرَ بنِ عبد العزيز، عن مُسلِم ابن يَسَارٍ، عن عائشة مثله.
وسَنَدُه ضعيفٌ؛ وهشامُ بنُ عَمَّارٍ تكلَّم النُّقَّاد في حِفظِه.
وابن أبي الجونِ قال أبو حاتم - كما في "الجرح والتَّعديل"(٢/ ٢/ ٢٤٠) -: "يُكتَبُ حديثه ولا يحتَج به"، وضعّفه أبو داوُد كما في "الميزان"(٢/ ٥٦٨)، ووَثَّقَهُ دُحَيمٌ، ومَشَّاه ابنُ عَديٍّ.
ومُؤَذِّنُ عُمَر بن عبد العزيز مجَهُولٌ. والله أعلم.
وخُلاصة البحث: أنَّ الحديث ضعيفٌ، ولو كان شيخُ ابنِ السُّنِّيِّ في الطَّريق الأوَّل ثقةً، أو تُوبع من مِثلِه أو قريبٍ منه، لَصَحَّ الحديثُ.