لَو كَانَ الفُحشُ رَجُلًا، لَكَانَ رُجَلَ سَوْءٍ

لَو كَانَ الفُحشُ رَجُلًا، لَكَانَ رُجَلَ سَوْءٍ

اللفظ / العبارة' لَو كَانَ الفُحشُ رَجُلًا، لَكَانَ رُجَلَ سَوْءٍ
متعلق اللفظ مسائل حديثية
الحكم الشرعي ضعيف
القسم المناهي العملية
Content

- سُئلتُ عن حديث: "لَو كَانَ الفُحشُ رَجُلًا، لَكَانَ رُجَلَ سَوْءٍ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

أخرَجَهُ ابنُ أبي الدُّنيا في "الصَّمت" (٣٢٨) قال: حدَّثَنا الحَكَمُ بنُ مُوسَى، حدَّثَنا الوليدُ بنُ مُسلِمٍ، عن طلحة بن عَمرٍو، عن عطاء بن أبي رباحٍ، أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشةَ - رضي الله عنها -: "يا عائشةُ! لَو كانَ الفُحشُ رجُلًا، لكان رَجُلَ سَوْءٍ".

والوليدُ بنُ مُسلِمٍ كان يُدَلِّسُ تدليسَ التَّسوِية، وقد عَنعَنَ الإسنادَ.

وخالَفَهُ أبو داوُد الطَّيَالِسِيُّ، فأخرَجَهُ في "مُسنَده" (١٤٩٥) قال: حدَّثَنا طلحةُ بنُ عَمرٍو، عن عطاءٍ، عن عائشة مرفُوعًا.

فأنت ترى أَنَّ الوليدَ بنَ مُسلِمٍ أرسلَ الحديثَ، فقال: "عطاءٌ، أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة"، بينما قال الطَّيَالِسِيُّ: "عطاءٌ، عن عائشة".

غيرَ أنَّ الإِسنادَ على الوَجهَين لا يَثبُتُ؛ وطلحةُ بنُ عَمرٍو متروكٌ، تَرَكَهُ أحمَدُ والنَّسائِيُّ وغيرُهما، وقال البُخاريُّ: "ليس بشيءٍ، كان يَحيَى بنُ مَعِينٍ سَيِّءَ الرَّأي فيه"، وضعَّفه أبو داوُد، وابنُ سعدٍ وزاد: "جدًّا"، والكلامُ فيه طويلُ الذَّيلِ.

ولكن وقفتُ له على طُرُقٍ أُخرَى ..ص:375.

منها ما: أخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في "الشُّعَب" (٧٧٢٢، ٨٤١٨)، وفي "الأسماء والصِّفات" (١/ ٢٥٦)، والخطيب في "مُوْضِح الأوهام" (١/ ٣١٩)، والأَصبَهَانِيُّ في "التَّرغيب" (١١٧١)، والشَّجَرِيُّ في "الأَمَالِي" (٢/ ١٩٧) من طُرُقٍ عن إبراهيمَ بن مُحمَّدٍ الشَّافعيِّ، ثنا أبو غِرَارَةَ القُرَشِيُّ مُحمَّدُ بنُ عبد الرَّحمن، قال: أخبَرَنِي أبي، عن القاسم بن مُحمَّدٍ، عن عائشة مرفُوعًا: "الرِّفق يُمنٌ، والخَرَقُ شُؤمٌ، وإِذَا أرادَ اللهُ بأهل بيتٍ خيرًا أدخلَ عليهم الرِّفقَ. إنَّ الرِّفق لم يَكُن في شيءٍ إلَّا زانَهُ، والخَرَقُ لم يَكُن في شيءٍ قَطُّ إلَّا شَانَهُ. وإِنَّ الحياءَ من الإِيمانِ، وإنَّ الإيمانَ في الجَنَّة، ولو كان الحياءُ رجُلًا، لكان صالحًا. وإن الفُحشَ من الفُجورِ، وإن الفُجُور في النَّار، ولو كان الفُحش رجُلًا يمشي في النَّاس لكان رجُلَ سَوْءٍ".

وسَنَدُه ضعيفٌ جدًّا، ومُحمَّدُ بنُ عبد الرَّحمن هذا ذَكَرَهُ البُخاريُّ في "التَّاريخ الأوسط" (٢/ ١٧٦)، وقال بعد أن ذكر هذا الحديثَ: "وقال لي إسماعيلُ - هو ابن أبي أُويسٍ -: سَمِعتُ مُحمَّدَ بنَ عبدِ الرَّحمن بن أبي بكرٍ الجُدْعَانِيَّ القُرَشِيَّ المُلَيكِيَّ" ا. هـ.

والجُدْعَانِيُّ هذا تركَهُ النَّسائِيُّ، ونقل ابنُ عَديٍّ في "الكامل" (٦/ ٢١٩٦) عن البُخاريِّ أنَّهُ قال: "مُنكَرُ الحديث".

وقال أبو حاتمٍ الرَّازيُّ - كما في "العِلل" (١٩٥٣)"مُنكَرٌ بهذا الإسناد".

وثَمَّ طريقٌ آخرُ ..،ص:377.

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الصَّغير" (١/ ٢٤٠) قال: حدَّثَنا عبدُ الرَّحمن بنُ مُعاوية المِصرِيُّ، ثنا يحيى بنُ بُكيرٍ، ثنا عبدُ الله بنُ لَهِيعة، عن أبي الأَسْود مُحمَّد بن عبد الرَّحمن بن نَوفَلٍ، عن يحيى بن النَّضر، عن أبي سَلَمة، عن عائشة مرفُوعًا: "يا عائشةُ! لو كان الحياءُ رجُلًا، لكان رَجُلًا صالحًا، ولو كان البَذَاءُ رجُلًا، لكان رجُلَ سَوْءٍ".

وشَيخُ الطَّبَرانيِّ لم أَجِد مَن وَثَّقه.

ولَكِن أخرَجَهُ ابنُ أبي الدُّنيا في "الصَّمت" (٣٣١)، وفي "مكارم الأخلاق" (٨٩) قال: حدَّثَني إبراهيمُ بنُ سعيدٍ، ثنا عُبيدُ بنُ أبي قُرَّة، عن ابن لَهِيعة بسَنَدِه سواء، بشطره الثَّاني، دُون الأوَّل.

وعنده "الفُحشُ"، بدل "البَذاءِ".

وأخرَجَهُ الخطيب في "تاريخه" (٢/ ٣٥٥) من طريق عُثمان بن صالحٍ، ثنا ابنُ لَهِيعة بسَنَده سواء، بشطره الأوَّل.

ووقع عند ابن أبي الدُّنيا، والخطيب: "أبو النَّضر"، بدل "يحيى بن النَّضر".

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِهِ عن أبي سَلَمَة إلَّا يحيى بنُ النَّضر، ولا عنه إلَّا أبو الأَسْوَد. تفرَّد به ابنُ لَهِيعة".

• قلتُ: هكذا اختُلِف في إسناده ..

فرَوَاهُ يحيى بنُ بُكيرٍ، عن ابن لَهِيعة، فقال: "يحيى بنُ النَّضر، عن أبي سَلَمة" ..

ورَوَاهُ عُبيدُ بنُ أبي قُرَّة، وعُثمانُ بنُ صالحٍ، عن ابن لَهِيعَة، فقال:ص:377.

"أبو النَّضر، عن أبي سَلَمة".

وأبو النَّضر هو سالمُ بنُ أبي أُميَّة.

وهذا الاضطرابُ من ابن لهِيعة؟ لسُوءِ حِفظِه.

وقد وَجَدتُ له طريقًا رابعًا ..

أخرَجَهُ العُقيليُّ في "الضُّعفاء" (٣/ ٨٥) من طريق أسدِ بن مُوسَى، ثنا عبدُ الجبَّار بنُ الوَرْدِ، قال: سمعتُ ابنَ أبي مُلَيكة، عن عائشة مرفُوعًا: "يا عائشة! إيَّاكِ والفُحشَ، إيَّاكِ والفُحشَ، فإنَّ الفُحشَ لو كان رجُلًا، لكان رَجُلَ سَوْءٍ".

وعبدُ الجبَّار بنُ الوَرد وَثَّقَهُ أحمدُ، وأبو حاتمٍ، وابنُ حِبَّانَ، والعِجليُّ، ولكن قال البُخاريُّ: "يُخالِفُ في بعض حديثه".

وقد تَابَعَهُ أيُّوبُ بنُ مُوسى، عن ابن أبي مُليكة، عن عائشة مرفُوعًا، وزاد: "وَلَو كان الحياءُ رجُلًا، لكان رَجُلَ صِدقٍ".

أخرَجَه الطَّبَرانيُّ في "الأوسط" (٣٣٣) قال: حدَّثَنا أحمدُ بنُ رِشدِين، ثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، ثنا ابنُ وَهبٍ، أخبرني عَمرُو بنُ الحارِث، عن أيُّوبَ بن مُوسَى به.

قال الطَّبَرانيُّ: "لَم يَروِ هذا الحديثَ عن أيُّوبَ بن مُوسَى إلَّا عَمرُو بنُ الحارث. تفرَّد به ابنُ وهبٍ" ا. هـ.

• قلتُ: وكُلُّهم مِنَ الثِّقاتِ الأَثبَاتِ، إلَّا شيخَ الطَّبَرانيِّ أحمدَ بنَ رِشدِينَ؛ فَقَد حَكَى ابنُ عَديٍّ أَنَّهُم كَذَّبُوه.

فالمُتَابَعة لَا تَثبُت بهذا الإسناد.ص:378.

أما قولُ العُقيليِّ: "وقد رُوِيَ هذا بغير هذا الإسناد، بأصلح من هذا، وبألفاظٍ مُختلِفَةٍ، في معنى الفُحش"، فهو لا يَقصِدُ تقوية الحديثِ، بلفظه، بل يُشِيرُ إلى ثُبُوت معناه.

وقد يَقصِدُ العُقيليُّ بقوله: "أصلح" يعني: أخفَّ ضعفًا، ولا يَعنِي الصِّحَّةَ، وهذا معروفٌ عند عُلماء الحديث.

واللهُ أعلَمُ.

كتاب إسعاف اللبيث،ج:2،ص:379.

Loading...