أخرَجَهُ التِّرمذيُّ (٢٢٦٧)، ومن طريقه الذَّهَبيُّ في "تَذكِرَة الحُفَّاظ"(٢/ ٤١٨)، والطَّبَرانيُّ في "الصَّغير"(١١٥٦)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(٧/ ٣١٦)، وابنُ عَديٍّ في "الكامل"(٧/ ٢٤٨٣)، والسَّهمِيُّ في "تاريخ جُرجانَ"(ص ٤٦٤)، وتَمَّامٌ الرَّازِيُّ في "الفوائد"(١٧٢١) من طُرُقٍ عن نُعيم بن حَمَّادٍ، عن سُفيان بن عُيَينَة، عن أبي الزِّنَاد، عن الأَعرَجِ، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا فذَكَرَه.
قال التِّرمذيُّ:"هذا حديثٌ غريبٌ، لا نَعرِفُه إلَّا من حديث نُعيمٍ، عن سُفيان".
وقال الطَّبَرانيُّ:"لم يَروِهِ عن سُفيان إلَّا نُعيمٌ".
وكذلك قال ابنُ عَديٍّ، وأبو نُعيمٍ.
وقال الذَّهَبيُّ:"هذا حديثٌ مُنكَرٌ، لا أصل له مِن حديث رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شاهدَ، ولم يَأتِ به عن سُفيانَ سِوى نُعيمٌ، وهو مع إِمَامَتِه، مُنكَرُ الحديث".ص:393.
ونقل ابن الجَوزِيِّ في "الواهيات"(٢/ ٣٦٩) عن النَّسَائِيِّ، أنَّهُ قال:"هذا حديثٌ مُنكَرٌ، رواه نُعيمُ بنُ حَمَّادٍ، وليس بثِقَةٍ".
• قلتُ: ولا يُحتَمَلُ لنُعيمِ بن حَمَّادٍ التَّفرُّدُ بهذا الإسناد النَّظِيفِ. وقد بَيَّن الذَّهَبيُّ في "سِيَر النُّبلاء"(١٠/ ٦٠٦) كيف وَقَعَ لنُعَيمِ بن حمَّادٍ هذا الوَهَمُ، فقال:"وتفرَّد نُعيمٌ بذاك الخَبَرِ المُنكَر: حدَّثَنا سُفيان … - وذَكَرَ الحديثَ. ثُمَّ قال الذَّهَبيُّ: - فهذا ما أَدرِي: مِن أين أتى به نُعيمٌ؟! وقد قال نُعيمٌ: "هذا حديثٌ يُنكِرُونَه، وإنَّما كُنتُ مع سفيانَ، فمرَّ شيءٌ، فأنكَرَهُ، ثُمَّ حدَّثَني بهذا الحديث". قلتُ: هو صادقٌ في سَمَاع لفظ الخَبَر من سُفيان. والظَّاهرُ، واللهُ أعلَمُ، أن سُفيان قالَه مِن عندِهِ، بلا إسنادٍ، وإنما الإسنادُ قاله لِحَدِيثٍ كان يُريدُ أن يَروِيَهُ، فلمَّا رَأَى المُنكَرَ تَعجَّب، وقال ما قال عَقِبَ ذلك الإسناد، فاعتقدَ نُعيمٌ أن ذاك الإسنادَ لهذا القول. واللهُ أعلَمُ" ا. هـ.
وتعَقَّبَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ بعضَ ما قاله الذَّهَبيُّ، فقال في "النُّكَت الظِّراف على الأطراف"(١٠/ ١٧٣): "قرأتُ بخطِّ الذَّهَبيِّ: "لا أصل له ولا شاهدَ، ونُعيمُ بنُ حَمَّادٍ مُنكَرُ الحديث، مع إمامته". قُلْتُ: بل وَجَدتُ له أصلًا، أخرَجَهُ ابنُ عُيينة في "جامعه"، عن معرُوفٍ المَوصِليِّ، عن الحسَن البَصِريِّ به مُرسَلًا، فيُحتَمل أن يكون نُعيمٌ دَخَلَ له حديثٌ في حديثٍ" ا. هـ.
• قلتُ: وقد سُئل أبو حاتمٍ الرَّازيُّ - كما في "العِلل"(٢/ ٤٢٩) لولَدِه - عن حديث نُعيمِ بن حَمَّادٍ هذا فقال: "هذا عندي خطأٌ، رواه جَريرٌ، ومُوسى بنُ أَعيَنَ، عن ليثٍ، عن معرُوفٍ، عن الحَسَن، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مُرسَلٌ".
وأخرَجَهُ أبو عَمرٍو الدَّانِيُّ في "الفِتَن" (٢٢٩) من طريق إبراهيم بن مُحمَّدٍ، عن ليث بن أبي سُليمٍ به مُرسلًا.
وقد وجدتُ له شاهدًا من حديث أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه -.
أخرَجَهُ أَحمدُ (٥/ ١٥٥) قال: حدَّثَنا مُؤَمَّلٌ، ثنا حمَّادٌ، ثنا حجاجٌ الأسودُ - قال مُؤَمَّلٌ: وكان رجُلًا صالحًا -، قال: سَمِعتُ أبا الصِّدِّيقِ، يُحدِّث ثابتًا البُنَانِيَّ، عن رَجُلٍ، عن أبي ذَرٍّ مرفُوعًا: "إِنَّكُم في زمانٍ، عُلمَاؤُهُ كثيرٌ، خُطَبَاؤُهُ قليلٌ، من تَرَكَ فيه عُشَيرَ ما يَعلَمُ هَوَى - أو قال: هَلَكَ -، وسَيَأتِي على النَّاس زَمَانٌ، يَقِلُّ عُلماؤُهُ، ويكثُر خطباؤُه، مَن تَمَسَّك فيه بِعُشَير ما يَعلَمُ نجا".
وقد اختُلف في إسناده ..
فأخرَجَهُ البُخاريُّ في "التَّاريخ الكبير" (١/ ٢/ ٣٧٤) قال: "وقال إسحاقُ - هو ابنُ راهوَيه -: حدَّثَنا المُؤَمَّلُ، سمِعَ حمَّادَ بنَ سَلَمة، سَمِعَ حجَّاجًا الأسود، يُحدِّث ثابتًا، عن أبي الصِّدِّيق، عن أبي ذرٍّ، مرفوعًا - نحوه - ".
ووَجهُ الاختلاف، أنَّهُ في رواية أحمدَ أن أبا الصَّدِّيقِ هو الذي كان يُحدِّثُ ثابتًا، وفي رواية البُخاريِّ أن حجاجًا الأسودَ هو الذي كان يُحدِّث ثابتًا، بحضرة أبي الصِّدِّيق. ووقعت واسطةٌ بين أبي الصِّدِّيق، وأبي ذرٍّ في رواية أحمدَ، بينما خَلَت روايةُ البُخاريِّ منها.ص:395.
وقد أخرَجَهُ البُخاريُّ أيضًا، قال: قال إبراهيمُ بنُ مُوسى. .
والهَرَوِيُّ في "ذَمِّ الكلام"(١٠٠) من طريق عليِّ بن خَشرَمٍ، قالا: ثنا عِيسَى بنُ يُونُس، سمع حجَّاجَ بن أبي زيادٍ الأسودَ، قال: حدَّثَني أبو نَضرَة، أو أبو الصِّدِّيق - شكَّ حجَّاجٌ -، عن أبي ذَرٍّ مرفُوعًا نحوَه.
فهذه الرِّواية تُؤَيِّدُ - في الجُملة - رِوايَةَ إسحاقِ بن رَاهَوَيه المُتقدِّمةَ، بإِسقاط الوَاسِطَة، ولكقْ وَقَعَ فيها الشَّكُّ من حجَّاجٍ الأسودِ، وهذا عندي اختلافٌ مُؤَثِّرٌ، يُضَعَّفُ به الحديثُ.